فقد جاء أعرابي إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جاحدا منكرا فلما وقع وجهه على طلعة النبي - صلى الله عليه وسلم - البهية وغرته الغريرة السنية فرآها يتلألأ منها نور النبوة، قال: والله ما هذا بوجه كذاب، وسأله أن يعرض عليه الإسلام، فأسلم. وجاء آخر فقال: أنشدك الله بعثك الله نبيا؟ فقال عليه الصلاة والسلام: بلى إني والله، الله بعثني نبيا. فصدقه بيمينه وأسلم. فهذا وأمثاله أكثر من أن يحصى ..
ولم يشتغل أحد بالكلام وتعلم الأدلة بل كانت تبدو أنوار الإيمان بمثل هذه القرائن في قلوبهم لمعة بيضاء ثم لا تزال تزداد وضوحا وإشراقا بمشاهدة تلك الأحوال العظيمة كتلاوة القرآن وتصفية القلوب. ليت شعري من نقل عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعن الصحابة إحضار أعرابي ولقنوه الدليل على أن العالم حادث لأنه لا يخلو عن الأحداث وما لا يخلو عن الحوادث فهو حادث. وأن الله عالم بعلم وقادر بقدرة كلاهما زائد عن الذات إلى غير ذلك من رسوم المتكلمين ..
بل كان لا تنكشف ملحمة إلا عن جماعة من أجلاف العرب أو غيرهم يسلمون تحت ظلال السيوف وجماعة من الأسرى يسلمون واحدا واحدا بعد طول الزمان أو على القرب منه. وكانوا إذا نطقوا بكلمة الشهادة علموا الصلاة والزكاة وردوا إلى صنيعتهم لرعاية الغنم أو غيرها، لست أنكر أنه يجوز أن يكون ذكر أدلة المتكلمين أحد أسباب الإيمان في حق بعض الناس، ولكن ذلك ليس بمقصود عليه وهو نادر. وساق الكلام إلى أن قال والحق الصريح أن كل من اعتقد أن ما جاء به الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وما اشتمل عليه القرآن فهو الحق اعتقادا جازما فهو مؤمن وإن لم يعرف أدلة.
فالإيمان المستعار من الدلائل الكلامية ضعيف جدا مشرف على التزلزل لكل شبهة بل الإيمان الواضح إيمان العوام الحاصل في قلوبهم في الصبا وأثر السماع والحاصل بعد البلوغ بقرائن لا يمكن العبارة عنها- انتهى-