للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فالوجه الأول يجري مجرى إدراك الشيء من قريب ولذا قال الله في حقهم: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ} (سورة ق) والثاني يجري مجرى إدراك الشيء من بعيد، وقد تعتريه شبهة لكن تزول بأدنى تأمل كما قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ} (سورة الأعراف).

الثالث يجري مجرى من يرى الشيء من وراء ستر من بعيد فلا ينفك من شبهات كما أخبر تعالى عن هذه حالته بقوله: {إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنًّا وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ} (سورة الجاثية).

ولأجل معرفة الله على الحقيقة يجب أن يتخلص من آفات الشرك، قال تعالى: {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ} (سورة يوسف) وقال تعالى: {قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ} (سورة الزمر)، وقال تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} (سورة البينة)، وقال تعالى: {قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَهُ دِينِي * فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ} (سورة الزمر)، وقال عليه الصلاة والسلام: "من قال لا إله إلا الله مخلصا دخل الجنة" (١). وغاية معرفة الانسان ربه أن يعرف أجناس الموجودات وجواهرها وأعراضها المحسوسة والمعقولة، ويعرف أثر الصحة وأنها محدثة وأن محدثها ليس إياها ولا مثالها بل هو الذي يصح ارتفاعها مع بقائه تعالى: ولا يصح بقاؤه وارتفاعه، وبهذا النطر قال أبو بكر الصديق (ض) "سبحان من لم يجعل لخلقه سبيلا إلى معرفته إلا بالعجز عن معرفته"، بل لهذا قال عليه الصلاة والسلام: "تفكروا في خلق الله، ولا تتقكروأ في ذات الله" (٢).


(١) رواه البزار عن أبي سعيد- صحيح-
(٢) رواه أبو نعيم في الحلية- عن أبي هريرة- وهو حسن-

<<  <   >  >>