ولما كانت معرفة الله تصعب على كل إنسان لقصور فهمه جعل له من نفسه وبدنه عالما صغيرا أوجد فيه ما هو موجود في العالم الكبير ليجري ذلك من العالم مجرى مختصر كتاب بسيط يكون مع كل أحد نسخة يتأملها في الحضر والسفر، وفي الليل أو في النهار، فإن نشط وتفرغ إلى العلم نظر في العالم الكبير ليعزز علمه ويتسع فهمه وعقله وإلا فله مقنع بالمختصر الذي معه، ولذا قال الله عز وجل:{وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ}(سورة الذاريات).
قال ابن الخطيب في تفسير هذه الآية: لو تأملتم في أنفسكم لوجدتم العجب العجاب، أنظروا مثلا كيف أنشأكم ابتداء من طين، ثم كيف خلقكم من نطفة في قرار مكين، بل أنظروا إلى النطفة نفسها، وكيف يتكون منها الجنين الذي لا يتكون إلا من الاتحاد بين جرثومة الذكر وبويضة الأنثى وبذلك تتكون الخلية، يحدث انقسام بينها إلى خليتين، ثم انقسام آخر لكل من الخليتين، ثم آخر للمنقسمين، وآخر، وآخر، وهكذا دواليك إلى أن يصل العدد إلى أربعين خلية من الخلايا، حتى يزيد مجموع الخلايا التي يتكون منها الإنسان الواحد عن سكان الكرة الأرضية أكثر من ألف مرة. وكل خلية من هذه الخلايا تعيش بمعزل عن هذه الخلايا كل منها بمثابة مصنع للإنتاج. فمنها ما ينتج الشعر، ومنها ما ينتج الأظافر، ومنها ما ينتج العظام، ومنها ما ينتج الدم وهكذا ...
ومتى نضجت هذه الخلايا، واكتمل نموها، تخصص كل منها في تكوين نوع واحد من الأنسجة والأعضاء.
ومن هذه الخلايا ما ينتج الجهاز العصبي الذي يتوقف عليه إيصال الرسائل من الحواس والأعضاء المختلفة إلى المخ، ومن المخ تنتقل إلى الرسائل التي هي بمثابة أوامر وأحكام إلى العضل والأطراف التي تتحرك بموجبها تبعا للظروف المحيطة بالإنسان وإلى الغدة الجمة، فتفرز سائلا معينا وفقا للحالة التي يجابهها الشخص كالدموع واللعاب.
مثال ذلك: إذا أبصر إنسان لصا أمامه بيده خنجر: فإن الجهاز الشخصي يوجه إلى المخ إشارة بذلك الخطر المحدق، فتتلقى الجوارح من