المخلوقات، والتأمل فيها متشوقة إلى رؤية هذا الخالق العظيم. إذا أردت أن تعرفه فادرس هذا الوجود عندئذ تتعرف إلى الله سبحانه وتعالى، فالله قد مهد للناس الطريق إليه، وأقام على جوانبه معالم الهداية والرشاد فنظرة إلى البحر فيها كل معالم الحلال والعظمة تكفيك عن هذا الوجود كله.
أما إذا كنت ممن يتعمقون في بحث المخلوقات فبحسبك قطرة ماء، قطرة واحدة بالتحديد، وعالجها بوسائل العلم الحديث فسترى أنها عالم كبير مليء بالأسرار.
إن أدنى المخلوقات منزلة وأهونها شأنا وأصغرها جرما لتحمل كل آيات الإبداع للمبدع الذي تذهل له العقول وتحار فيه الألباب ولست أجد أروع وأبلغ من القرآن الكريم في الدفاع عن قضية الألوهية، وإفحام المجادلين وآتى بمثالين منه:
الأول: أدعوك أيها القارئ- أن تنضم إلى هذا المجتمع الذي يجتمع فيه الناس جميعا الذي تحمله الآية إلى كل عقل، وأدعوك ثانيا أن تجهز نفسك لهذا الجمع فلا تذهل عن وجودك، فإنك مطالب بأن تسمع وتعي، وأن تنتهي إلى رأي فيما سمعت ووعيت أمستعد أنت؟ فهذا صوت الحق يهتف بك وبالناس جميعا استمع إلى قوله تعالى:{يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ}(سورة الحج). ذبابة واحدة لا غير إنها تقف وحدها في جبهة والناس جميعا في الجبهة المقابلة لها إنها توضع في كفة الميزان والناس جميعا في الكفة الأخرى، وإنها لترجح بهم جميعا. الذبابة تتحدى الناس جميعا في كل أمة، وفي كل زمان تتحدى العلم الذي صعد بالناس إلى كواكب السماء، هؤلاء الناس لن يخلقوا ذبابا واحدا ولو اجتمعوا له. هذا أنتم أيها الناس، وهذه الذبابة هاتوا ما عندكم من علم، واجمعوا ما عندكم من العلماء ودوروا مع الزمن دورات ودورات فلن تخلقوا ذبابا. هذا الذباب إن سلبكم شيئا علق برجله أو بجناحه، أو بفيه ماذا أنتم صانعون