فهذه الآيات وتلك الأحاديث وأمثالها لا يمكن أن يقرأها قارئ، أو يستمع إليها مستمع، دون أن تتحرك في ذهنه صور لهذه الصفات التي يوصف بها الله ...
وقد كان السلف الصالح من الصحابة والتابعين رضوان الله عليهم- يتلون كتاب الله، ويسمعون إلى آيات الكتاب وأحديث الرسول فما وقفوا موقف تساؤل أو حيرة أمام صفة من صفات الله، ولا وقع في تفكيرهم أن الذات المقدسة شيء، وأن الصفات شيء، أو أنهما وجهان لحقيقة واحدة، أو غير هذا مما دار حوله الجدل واشتد فيه الخصام بين جماعات المسلمين بعد أن مضى عهد الراشدين، ودخلت في الإسلام مذاهب وآراء وفلسفات مع الذين دخلوا في دين الله.
يقول المقريزي: "إعلم أن الله تعالى لما بعث من العرب نبيه محمدا - صلى الله عليه وسلم - رسولا إلى الناس جميعا وصف لهم ربهم سبحانه بما وصف به نفسه الكريم في كتابه العزيز الذي نزل به على قلبه - صلى الله عليه وسلم - الروح الأمين، وبما أوحى إليه ربه تعالى، فلم يسأله - صلى الله عليه وسلم - أحد من العرب قرويهم وبدويهم عن معنى شيء من ذلك كما كانوا يسألونه - صلى الله عليه وسلم - عن أمر الصلاة والزكاة، والصيام والحج وغير ذلك مما فيه أمر ونهي، كما سألوه - صلى الله عليه وسلم - عن أحوال القيامة والجنة والنار ...
ولو سأله إنسان منهم عن شيء من الصفات الإلهية لنقل كما نقلت الأحاديث الواردة عنه - صلى الله عليه وسلم - في أحكام الحلال والحرام وفي الترغيب والترهيب، وأحوال القيامة، والملاحم والفتن، ونحو ذلك مما تضمنته كتب الحديث ومجامعها ومسانيدها وجوامعها.
ومن أمعن النظر في دواوين الحديث النبوي، ووقف على الآثار السلفية، علم أنه لم يرو قط من طريق صحيح، ولا سقيم عن أحد من الصحابة- رضي الله عنهم- على اختلاف طبقاتهم، وكثرة عددهم- أنه سئل - صلى الله عليه وسلم - عن معنى شيء مما وصف الرب- سبحانه وتعالى- نفسه الكريمة في القرآن الكريم، على لسان نبيه - صلى الله عليه وسلم - بل كلهم فهموا معنى ذلك،