وسكتوا عن الكلام في الصفات. نعم ... ولا فرق أحد منهم بين كونها صفة ذات أو صفة فعل ... وإنما أثبتوا له تعالى صفات أزلية، من العلم، والقدرة، والحياه، والإرادة، والسمع، والبصر، والكلام، والجلال، والإكرام، والجود، والإنعام، والعزة والعظمة، وساقوا الكلام سوقا واحدا وهكذا أثبتوا- رضي الله عنهم- ما أطلقه الله سبحانه وتعالى على نفسه الكريمة من الوجه، واليد، ونحو ذلك مع نفي مماثلة المخلوقين، فأثبتوا - رضي الله عنهم- بلا تشبيه، ونزهوا من غير تعطيل، ولم يتعرض مع ذلك أحد منهم إلى تأويل شيء من هذا .. ورأوا بأجمعهم إجراء الصفات كما وردت ...
ولم يكن عند واحد منهم ما يستدل به على وحدانية الله تعالى وعلى إثبات نبوة محمد- صلى الله عليه وسلم - سوى كتاب الله، ولا عرف أحد منهم شيئا من الطريق الكلامية ولا مذهب الفلسفة إنتهى خطط المقريزي.
وهكذا مضى عهد الصحابة والتابعين- رضوان الله عليهم- دون أن يجد أحد منهم في صدره ثائرة شك فيما ورد في القرآن والسنة من الصفات، وصف الله- سبحانه- بها ذاته ... بل صح فهمهم لتلك الصفات على الوجه الذي ينزه الله تعالى عن صفات المخلوقين، ويجعل لذاته الكمال المطلق ولهذا وقع إجماعهم- دون قصد- على أن يسألوا رسول الله عنها، وهم الذين لم يدعوا أمرا يتصل بأي شأن من شئون الدين، لم ينكشف لهم في جلاء، إلا سألوا الرسول عنه ... فكيف يكون سكوتهم هذا السكوت الإجماعي عن هذا الأمر العظيم الذي هو أصل العقيدة وصميمها؟ وهذا لا يصح لنا أن نسأل: كل ما ذكر عن ذاته وصفاته في كتاب الله. وفي حديث الرسول- من الوضوح والجلاء- بحيث لا يحتاج إلى سؤال أبدا؟ ونستطيع أن نقول في الإجابة على ذلك: نعم، فإن مفهوم الألوهية حين يعرف الإنسان الطريق إليه، وحين يتلقاه بقلبه، ويستقبله بفطرته لواضح أشد الوضوح .. إذ هو الكمال المطلق، الذي سمح للإنسان أن ينطلق إلى ما لا نهاية له في السمو والإرتفاع بمقام الذات ... وكلما انتهى إلى غاية مد بصره إلى غيرها وهكذا أبدا {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ