للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والنوع الثاني تقسيم طبقات الفقهاء بحسب وجودهم الزمني، فيقال: سلف (متقدمون)، وخلف (متوسطون)، ومتأخرون، وأول من ذكر ذلك –فيما اطلعت عليه- القاضي الأحمد نكري (١) في دستوره (٢).


(١) الشيخ الفاضل القاضي عبد النبي بن عبد الرسول بن أبي محمد بن عبد الوارث العثماني الأحمد نكري، أحد العلماء المشهورين، ولد ونشأ بأحمد نكر، وقرأ المختصرات على أبيه، وبعد وفاته على عبد الله الأحمد نكري … حتى صار أبدع أبناء العصر في النحو والمنطق، وولي القضاء بأحمد نكر، وكان يدرس ويفيد، أخذ عنه خلق كثير. ومن مصنفاته: جامع الغموض ومنبع الفيوض شرح بسيط على كافية ابن الحاجب، ودستور العلماء في اصطلاحات العلوم والفنون في أربعة مجلدات. ينظر: نزهة الخواطر وبهجة المسامع والنواظر، ٦/ ٧٥٩.
(٢) دستور العلماء أو جامع العلوم في اصطلاحات الفنون، ٢/ ١٢٩، نقلاً عن الخيالات اللطيفة، ولم أقف عليها. قال: "و (السلف) عند الفقهاء هم من أبي حنيفة -رحمه الله تعالى- (ت ١٥٠ هـ) إلى محمد بن الحسن (ت ١٨٩ هـ)، والخلف من محمد بن الحسن إلى شمس الأئمة الحلواني (ت ٤٥٦ هـ)، والمتأخرون من شمس الأئمة الحلواني إلى مولانا حافظ الدين البخاري (ت ٦٩٣ هـ). هكذا ذكره صاحب الخيالات اللطيفة في الهامش. " ويفهم من كلام بعضهم تقسيم طبقات الفقهاء إلى المتقدمين، وهم من أدرك الأئمة الثلاثة: أبا حنيفة، وأبا يوسف، ومحمد بن الحسن، والمتأخرين، وهم من لم يدرك هؤلاء الثلاثة. (ينظر: مقدمة عمدة الرعاية، الدراسة الخامسة، ص: ٨٢). ويظهر أن هذا التقسيم زمني محض لم يراعِ صاحبه الجانب العلمي فيه، وسبب ذلك قوله: "من أدرك الأئمة الثلاثة"، فالإدراك هنا زمني، والإدراك المجرد لا يعني المساواة بين المدرِك والمدرَك علمياً.
إضافة إلى أنه –في نظري- تقسيم آخر ينبغي عدم الخلط بينه وبين تقسيم الأحمد نكري؛ لأن كثيراً من الفقهاء يقصد بالمتأخرين من هو قبل الحلواني (العناية شرح الهداية، ٢/ ٣٦٩)، وبِجعله تقسيماً جديداً يزول الإشكال؛ لأن المتأخرين عندهم غير المتأخرين عند الأحمد نكري. ويدل على ذلك ما قاله ابن الحنائي: "فأيده بالفقهاء المجتهدين المتقدمين من السلف، فجددوا ديباجة مذهبه تجديداً، ومهدوا قواعد طريقه تمهيداً، فصوروا المسائل تصويرًا، وقرروا الدلائل تقريراً، ثم بالعلماء المحققين المتأخرين من الخلف، فبالغوا في شرح المعضلات … " إلى آخر كلامه في مقدمة طبقاته. (ينظر: طبقات الحنفية لابن الحنائي، ص: ١٤٣ - ١٤٤).

<<  <   >  >>