للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الدليل الثالث: حديث أنس بن مالك – أن أعرابيًّا قام إلى ناحية من المسجد فبال فيها، فصاح به الناس، فقال رسول الله : "دعوه". فلما فرغ أمر رسول الله بذَنوب فصب على بوله (١).

وجه الدلالة: ظاهر الحديث يدل على أن قليل النجاسة لا يفسد قليل الماء؛ لأنه من المعلوم أن ذلك الموضع قد طهّر من الذَّنوب (٢).

الترجيح:

بعد استعراض الأقوال في المسألة وأدلة كل قول مع المناقشات ظهر لي أن القول الثاني القائل بأن الماء القليل إذا خالطته النجاسة ولم تغيره طاهر هو أقرب إلى الرجحان لوضوح الأدلة وقوتها.

وما يتعلق بالماء الجاري والراكد فينبغي التنبه إلى أن مفهوم التفريق بينهما قد تغير لوجود المسابح والجاكوزيات والنافورات التي صُممت على أن ماءها يجري لكن بشكل متكرر، وعليه يمكن أن يصبح الماء القليل جداً جارياً (٣).

فلذلك تعليق الحكم على قلة الماء أو كثرته أولى من تعليقه على جريانه أو ركوده، وأفضل من ذلك كله تعليق الحكم على أوصاف الماء الظاهرة من اللون والطعم والرائحة.

ومن الآثار المترتبة على رجحان القول الثاني حفظ الماء وعدم هدره، بخلاف القول الأول، فإن في رجحانه هدراً لكثير من المياه إذ لا تستعمل لمجرد وقوع النجاسة فيها إذا كانت دون القلتين كما عند الشافعية والحنابلة أو دون الغدير العظيم كما عند الحنفية.


(١) أخرجه مسلم، ١/ ٢٣٦، كتاب الطهارة، باب وجوب غسل البول وغيره من النجاسات إذا حصلت في المسجد، وأن الأرض تطهر بالماء، من غير حاجة إلى حفرها، رقم حديث: ٢٨٤.
(٢) بداية المجتهد وكفاية المقتصد، ١/ ٣١.
(٣) جاء في تحفة الفقهاء عدة تعريفات مثل: "إن كان يجري بالتبن والورق فهو جار وإلا فلا"، "إن وضع رجل يده في الماء عرضًا لم ينقطع جريانه فهو جار وإلا فلا"، "إن كان بحال لو اغترف رجل الماء بكفيه لم ينحسر وجه الأرض ولم ينقطع الجريان فهو جار وإلا فلا"، "وأصح ما قيل فيه إن الماء الجاري ما يعده الناس جارياً". (ينظر: تحفة الفقهاء، ١/ ٥٦). ولو قيل الماء الذي لا يتكرر مع جريانه لكان أولى، وقد يقال بأنه لو تكرر فإنه يصبح ماءً مستعملاً، وقد سبق الكلام عنه في المسألة السابقة. والله أعلم.

<<  <   >  >>