لكن ربط المسألة بقاعدة ما لا يتم به الوجوب فليس بواجب مطلقاً فيه نظر؛ لأن القاعدة فيمن يسعى لتحقيق الشرط ابتداءً، والمسألة في إزالة الشرط بعد تحققه عمداً وقبل اجتماعه مع السبب. وكذا يقال في التحايل لإسقاط الحج، فمن تجمعت عنده أموال تجعله مستطيعاً للقيام بفريضة الحج ثم صرفها في شراء سكن أو تزوج ونحوه قبل أشهر الحج، فلا حج عليه؛ لأنه لم يجتمع شرط وجوبه مع سببه وهو دخول أشهر الحج. ونكتة المسألة في إزالة سبب الحكم عمداً وغرضاً أي بنية، وأما زواله بلا اختيار ولا نية، فإن الله لا يكلف نفساً إلا وسعها. فمن راعى هذا الأمر حرم التحايل لإسقاط الزكاة ديانةً، ومن لم يراعه ولم ير فيه بأساً ولا أثراً أمضاه حكماً وقضاءً لا ديانة، والله أعلم. ثم اطلعت على كلام الشاطبي ﵀ عن الحيل وموقف الإمام أبي حنيفة ﵀ منها، فقال: "ومن أجاز الحيل كأبي حنيفة، فإنه اعتبر المآل أيضًا، لكن على حكم الانفراد، فإن الهبة على أي قصد كانت مبطلة لإيجاب الزكاة، كإنفاق المال عند رأس الحول، وأداء الدين منه، وشراء العروض به، وغيرها مما لا تجب فيه زكاة، وهذا الإبطال صحيح جائز؛ لأنه مصلحة عائدة على الواهب والمنفق، لكن هذا بشرط أن لا يقصد إبطال الحكم، فإن هذا القصد بخصوصه ممنوع؛ لأنه عناد للشارع كما إذا امتنع من أداء الزكاة، فلا يخالف أبو حنيفة في أن قصد إبطال الأحكام صراحًا ممنوع، وأما إبطالها ضمنا، فلا، وإلا امتنعت الهبة عند رأس الحول مطلقًا، ولا يقول بهذا واحد منهم. " ينظر: الموافقات، ٥/ ١٨٨. قلت: ويخالفه ما جاء في الأصل -كما سبق- من التصريح بالفرار من الصدقة، لكن لو قيل بوجود احتمال أنه كان من المسائل الافتراضية التي لم تقع بعد، فلم يلتفت إلى ذلك، لكنه احتمال ضعيف؛ لأن الفرار من الزكاة معروف من الزمن الأول.