للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وكما يناقش بآيات أخر التي فيها ذم تحريم الحلال والمحرم أيضاً ولم يوجب عليه الكفارة، كما في قوله تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا﴾ [المائدة: ٨٧]، وقوله تعالى: ﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلَالًا قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ (٥٩)[يونس: ٥٩] (١).

الدليل الثاني: إن الله – جعل تشبيه المرأة بأمه المحرمة عليه ظهاراً، وجعله منكراً من القول وزوراً، فإذا كان التشبيه بالمحرمة يجعله مظاهراً فإذا صرح بتحريمها كان أولى بالظهار (٢).

قد يناقش بأن حمله على المرأة ممكن إن غلب استعماله في ذلك عرفاً، لكن يرده لو غلب استعماله في غير ذلك -كما عند المتقدمين من الحنفية- مثل الطعام والشراب، فلا يمكن حمله على الظهار ولا الطلاق والحالة هذه.

الترجيح:

بعد استعراض القولين وأدلتهما يظهر أن القول الأول أقرب للصواب؛ لقوة دليله وإيراد المناقشة على دليلي القول الثاني، وفي ترجيح الأول إعمال للعرف السائد، وإن تغير فإن الحكم يختلف باختلافه.

والمسألة لها ثمرة عملية تظهر في بعض المسائل، منها:


(١) تفسير القرطبي، ١٨/ ١٨٠.
(٢) إعلام الموقعين، ٣/ ٥٩، وقال: إنه أقيس الأقوال وأفقهها، ويؤيده أن الله لم يجعل للمكلف التحريم والتحليل، وإنما ذلك إليه –، وإنما جعل له مباشرة الأفعال والأقوال التي يترتب عليها التحريم والتحليل، فالسبب إلى العبد، وحكمه إلى الله –.
قلت: العرف يؤثر في السبب ومراده ويغيره، وباختلافه يختلف حكم الله فيه كما في هذه المسألة، فمن حرم حلالاً فإن قوله يحمل على ما غلب استعماله عرفاً، فإن كان الطعام والشراب فيمين، وإن كان الزوجة فإما طلاق وإما ظهار، وليس كل التحريم يميناً كما سبق عند مناقشة الدليل الأول.
ويؤيده إطلاق الناس اليوم لفظ المحروم على الغني البخيل، وإن كان أصل اللفظ يدل على الفقر والعوز.
وعليه يمكن تصور حمل قوله على لباس مثلاً إذا غلب في عرف الناس استعمالهم كلمة حلال على لباس، والله أعلم.

<<  <   >  >>