وجه الدلالة: ظاهر الحديث دليل على اعتبار العدد في استقراض الخبز والخميرة وليس الوزن، بل اعتبار الوزن في ذلك يشق، والحديث يدل على المسامحة.
وقد يناقش بأن الحديث ضعيف ولم يثبت، فلا تقوم به الحجة.
أدلة القول الثاني:
استدل أصحاب القول الثاني القائل بمنع استقراض الخبز بتعليل كون ذلك يؤدي إلى مقابلة الخبز بالخبز، وبيانه عندهم على النحو الآتي:"وأما إقراض الخبز وكل ما لا يجوز بيعُ بعضِه ببعض ينبني على أن ما ليس من ذوات الأمثالِ يَضمن المقترض مثلَه أو قيمتَه. فإن ألزمناه القيمةَ، والخبز ليس من ذواتِ الأمثال، فيجوز إقراضه، فإنه ليس فيه مقابلة الخبز بالخبز. وإن قلنا: يضمن المقترض المثل، فهذا يؤدي إلى مقابلة الخبز بالخبز"(١).
قد يناقش بأن الخبز من ذوات الأمثال وتحقق المثلية أمر ممكن؛ لأن الخبز من يخبزه في بيته متقارب في الغالب، وإن كان يجلبه من خارج البيت من المخابز فالمثلية أوضح وأظهر.
الترجيح:
بعد استعراض الأقوال وأدلتها يظهر أن القول بجواز استقراض الخبز عدداً ووزناً أقرب، فمن استقرضه وزناً فإنه يرد مثله بالوزن، وإن استقرضه عدداً فإنه يرد مثله بالعدد؛ وذلك لقوة دليل هذا القول، وورود المناقشة على دليل القول الثاني، ولأن الخبز موزون أو عددي، والمثلية فيه متحققة، وخصوصًا الآن مع تطور صناعة الأفران وغيرها من الآلات التي تضمن مثلية الخبز، مع ضرورة التفرقة بين ما يخبز في بيوتات الناس وبين ما يخبز في المخابز العامة، والله أعلم.
والمسألة لها ثمرة عملية تظهر فيما لو استقرض إنسان من جاره خبزاً خبزه هو في بيته، فعلى القول الثاني لا يجوز ذلك مطلقاً، وعلى الأول يجوز عند من يقول بالعدد؛ لأن ما يخبز في البيت لا يوزن في الغالب ويشق كما مضى، ولو اشتُرِط ردُّ المخبوز في البيت لكان أوفق؛ لاختلاف صناعة البيت من صناعة المخابز.