للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقيل: إن أبا حنيفة بنى قوله على ما شاهد من عادة أهل الكوفة في اختيار السفل على العلو، وأبو يوسف بناه على ما شاهده من عادة أهل بغداد في التسوية بين العلو والسفل في منفعة السكنى، ومحمد شاهد اختلاف العادات في البلدان فقال: إنما يقسم على القيمة (١)، فالاختلاف مبني على اختلاف العادات، ولذلك كان من حيث الصورة لا من حيث المعنى (٢).

دراسة المسألة دراسة مقارنة:

بعد الاطلاع على أقوال بقية المذاهب تبين أنهم يقولون بقول الحنفية المفتى به أي أن قسمة البناء الذي له علو وسفل تكون بالقيمة، وهو قول المالكية (٣)، والشافعية (٤)، والحنابلة (٥).

وعليه فإن مما يؤيد هذا القول ما يجري الآن من بناء العمائر الطويلة والفنادق والأبراج والبيوت من ثلاثة أدوار وأكثر؛ فقيمة الأدوار تختلف اختلافاً كبيراً، والناس يفضلون العلو أو السفل لاعتبارات كثيرة.


(١) ينظر: المبسوط، ١٥/ ١٦، الاختيار، ٢/ ٧٧.
(٢) بدائع الصنائع، ٧/ ٢٧.
(٣) حاشية الصاوي، ٣/ ٦٦٥، الشرح الكبير، ٣/ ٥٠١، تخريجاً لأن العقار عندهم يقسم بالقيمة.
(٤) جاء في الحاوي الكبير (٦/ ٣٨) أن الدور والأرضين من غير المنقول أي العقار. وجاء في حاشية الجمل (٥/ ٣٧٤) أن القسمة بالتعديل أي: تعديل السهام بالقيمة وضرب المثال بأرض تختلف قيمة أجزائها. قلت: وكذا الدُّور التي تختلف قيمة أجزائها مثل العلو والسفل. وجاء في البيان في مذهب الإمام الشافعي (١١/ ٥٤) وفي العزيز شرح الوجيز (١٢/ ٥٥٦) أن العلو والسفل كالدارين المتلاصقين، بل قالوا في التفرقة بينهما: إن العلو تابع، والسفل متبوع، ولا يجوز أن يجعل أحد النصيبين تابعاً والآخر متبوعاً. قلت: وعليه يخرج قول الشافعية في هذه المسألة، وهو قياس الدار له علو وسفل على الأرض بجامع اختلاف قيمة الأجزاء. ثم وجدت النووي – يقول: إن لم يمكن القسمة سفلاً وعلواً، جُعل السفل لأحدهما والعلو لآخر من جملة قسمة التعديل. ينظر: روضة الطالبين، ١١/ ٢١٣.
(٥) منتهى الإرادات، ٥/ ٣١٦، المبدع في شرح المقنع، ٨/ ٢٣٣، فإنهم ينصُّون على التعديل بالقيمة لو طلب أحد الشريكين قسمة البناء علوه وسفله.

<<  <   >  >>