للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

كان الاسلام فاتحة عهد جديد من النور والمعرفة، راجت في بلاده سوق العلم، وعظم شأن العلماء، وكثر التأليف والتصنيف في شتى ابواب المعرفة والعلوم، وكثرت المكتبات العامة والخاصة فاشتدت الحاجة إلى كتب تفهرس لهذه الكتب وتدل على المؤلفين وما الفوه في ابواب مقسمه على العلوم ليسهل على الباحث ادراك بغيته في اقصر وقت، واسهل سبيل، وكان لكتاب الفهرست للنديم النصيب الاوفى في سد هذه الحاجة، وهو لا يزال منارا هاديا إلى معرفة الكتب المؤلفة أو المترجمة في القرون الاسلامية الاولى إلى يومنا هذا.

ان الذى سهل على النديم قيامه بهذا العمل كونه وراقا، والوراقون اخبر الناس بالكتب واسمائها وموادها لا سيما إذا ما توفر لاحدهم الثقافة والعلم والخبرة كما توفر كل ذلك لصاحبنا مؤلف الفهرست. ومع اننا لا نعرف بالضبط متى شرع هذا الرجل العبقري بعمله لان المآخذ التاريخية التى من شأنها الكشف عن مثل هذه الغوامض ساكته لم تكرث بها، لا يبقى لنا الا الحدس في مثل هذه الامور. فإذا ما علمنا من الفهرست (١) انه في سنه (٣٤٠) كان يلتقى مع العلماء ويأخذ عنهم فقد يتبادر إلى الذهن ويقبله العقل ان المؤلف قد اخذ بجمع مواد كتابه منذ وقت مبكر ثم اخذ يكمله شيئا فشيئا حتى دفع به إلى نساخه في سنه (٣٧٧) للتبيض وقد تداول الناس الكتاب والمؤلف حى، لكنه لم يعش طويلا بعد الفراغ من نسخ الكتاب، ولعله كان مثقلا بوطأة المرض فراى ان يعجل باخراجه للناس رغم ما كان فيه مواضيع متروكة بياضا.

فلقد توفى على ما ذكره الصفدى والذهبي والمقريزي في يوم الأربعاء لعشر بقين من شعبان سنة ثمانين وثلثمائة وهذا يدل على أن المؤلف عاش ثلاث سنين فقط بعد الفراغ من نسخ الكتاب.

اما سبب تعلقي بهذا الكتاب واخراجه مرة ثانية بعد طبعة جوستاف فلوجل فهو ان بعض الاساتذه قد اقترح على ترجمة الكتاب إلى اللغة الفارسية، ولم يكن بين يدى آنذاك الا الطبعة المصرية للكتاب فلما باشرت الترجمة ضقت ذرعا بكثره الاخطاء المتفشية فيه، وعندئذ رأيت انه لا بد من الرجوع إلى نسخة فلوجل المطبوعة في ليبزح الالمانية سنة ١٨٧٢ الميلادية، وقد بذلت وقتا ومالا حتى امكنني الحصول على نسخة من الكتاب في ليدن من بلاد هولنده، فلما رأيت طبعة فلوجل علمت ان المصرية صورة طبق الاصل عنها غير ان الطبعة المصرية خلت من الهوامش والحواشي والتوضيحات التى هي في طبعة فلوجل. وابدلت عنه باضافة تكملة صغيره غير موجودة في طبعة فلوجل


(١) طب: ص ٢٩٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>