للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مكانه، وأنا أرضاه، وأثق بتدبيره لكم. فلما مضى زاد هرمز، أجمعوا على تقديم مقلاص، فصارت المانوية فرقتين، المهرية، والمقلاصية.

وخالف مقلاص الجماعة إلى أشياء من الدين، منها في الوصالات، حتى قدم أبو هلال الديجورى من إفريقية، وقد انتهت رياسة المانوية إليه. وذلك في أيام أبي جعفر المنصور. فدعا المقالصة إلى ترك ما رسمه لهم مقلاص في الوصالات. فأجابوه إلى ذلك. وظهر من المقالصة في ذلك رجل يعرف ببزرمهر، واستمال جماعة منهم وأحدث أشياء أخر، ولم يزل أمرهم على ذلك إلى أن انتهت الرياسة إلى أبي سعيد رحا، فردهم في الوصالات إلى رأي المهرية. وهو الذي لم يزل الدين عليه في الوصالات ولم يزل حالهم على ذلك، إلى أن ظهر في خلافة المأمون رجل منهم، أحسبه يزدان بخت، فخالف في الأمور وأدرى بهم، ومالت إليه شرذمة منهم. ومما نقمته المقالصة على المهرية، أنهم زعموا أن خالد القسري حمل مهراً على بغلة وختمه بخاتم فضة وخلع عليه ثياب وشي. وكان رئيس المقالصة في أيام المأمون والمعتصم، أبو علي سعيد. ثم خلفه بعد، كاتبه نصر بن هرمزد السمرقندي. وكانوا يرخصون لأهل المذهب والداخلين فيه أشياء محظورة في الدين وكانوا يخالطون السلاطين ويواكلونهم. وكان من رؤسائهم أبو الحسن الدمشقي.

وقتل ماني في مملكة بهرام بن سابور. ولما قتله، صلبه نصفين، النصف الواحد على باب والآخر على الباب الاخر من مدينة جنديسابور، ويسمى الموضعين، المار الأعلى والمار الأسفل. ويقال إنه كان في محبس سابور، فلما مات سابور أخرجه بهرام. ويقال بل مات في الحبس، والصلب لا شك فيه. وحكى بعض الناس، أنه كان أحنف الرجلين، وقيل الرجل اليمنى. وماني ينتقص سائر الأنبياء في كتبه، ويزري عليهم ويرميهم بالكذب و (يزعم) أن الشياطين استحوذت عليهم، وتكلمت على ألسنتهم، بل يقول في مواضع من كتبه إنهم شياطين. فأما عيسى المشهور عندنا وعند النصارى فيزعم أنه شيطان.

[قول المانوية في المعاد]

قال ماني: إذا حضرت وفات الصديق، أرسل إليه الإنسان القديم إلهاً نيراً بصورة الحكيم الهادي، ومعه ثلاثة آلهة، ومعهم الركوة واللباس والعصابة والتاج واكليل النور، وتأتى (١) معهم البكر الشبيهة بنسمة ذلك الصديق. ويظهر له شيطان الحرص والشهوة والشياطين. فإذا رآهم الصديق، استغاث بالآلهة التي على صورة الحكيم، والآلهة الثلاثة، فيقربون منه، فإذا رأتهم الشياطين ولت هاربة. وأخذوا ذلك الصديق وألبسوه التاج والإكليل واللباس، وأعطوه الركوة بيده، وعرجوا به في عمود السبح إلى فلك القمر، وإلى الإنسان القديم، والى النهنهة امر الأحياء (٢) إلى ما كان عليه أولاً، في جنان النور. ثم يبقى ذلك الجسد ملقا، فتجتذب منه الشمس والقمر والآلهة النيرون القوي التي هي، الماء والنار والنسيم، فيرتفع إلى الشمس ويصير إلهاً، ويقذف باقي جسده التي هي ظلمة كله، إلى جهنم. فأما الإنسان المحارب، القابل للدين والبر، الحافظ لهما وللصديقين، فإذا حضرت وفاته، حضر أولئك الآلهة الذين ذكرتهم، وحضرت الشياطين، واستغاث ومت بما كان يعمل من البر وحفظ الدين والصديقين،


(١) ف (يأتي).
(٢) ف (ام الاحياء).

<<  <  ج: ص:  >  >>