للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأصنام هاتف يا فتق لا تأكل لحماً ولا تشرب خمراً ولا تنكح بشراً، تكرر ذلك عليه دفعات في ثلاثة أيام. فلما رأى فتق ذلك لحق بقوم كانوا بنواحي دستميسان معروفون بالمغتسلة، وبتيك النواحي والبطائح بقاياهم إلى وقتنا هذا. وكانوا على المذهب الذي أمر فتق بالدخول فيه. وكانت امرأته حاملاً بماني، فلما ولدته زعموا كانت ترى له المنامات الحسنة، وكانت ترى في اليقظة كأن احدا (١) يأخذه فيصعد به إلى الجو ثم يرده وربما أقام اليوم واليومين ثم يرد، ثم أن اباه ايعد (٢) فحمله إلى الموضع الذي كان فيه، فربي معه وعلى ملته. وكان يتكلم ماني، على صغر سنه، بكلام الحكمة. فلما تم له اثنتا عشرة سنة أتاه الوحي، على قوله، من ملك جنان النور وهو الله، تعالى عما يقوله. وكان الملك الذى جائه بالوحي يسمى التوم، وهو بالنبطية ومعناه القرين، فقال له: اعتزل هذه الملة فلست من أهلها، وعليك بالنزاهة وترك الشهوات، ولم يأن لك أن تظهر لحداثة سنك. فلما تم له أربع وعشرون سنة، أتاه التوم فقال: قد حان لك أن تخرج فتنادي بأمرك.

[الكلام الذى قال له التوم]

عليك السلام ماني، مني ومن الرب الذي أرسلني إليك واختارك لرسالته (ور روان باجسا)، وقد أمرك أن تدعو بحقك وتبشر ببشرى الحق من قبله، وتحتمل في ذلك كل جهدك. قالت المانوية: فخرج يوم ملك سابور بن أردشير، ووضع التاج على رأسه. وهو يوم الأحد أول يوم من نيسان والشمس في الحمل، ومعه رجلان قد تبعاه على مذهبه، أحدهما يقال له شمعون والآخر زكوا ومعه أبوه ينظر ما يكون من أمره.

قال محمد بن أسحق: ظهر ماني في السنة الثانية من ملك الغالوس الرومي. وظهر مرقيون قبله بنحو مائة سنة في ملك ططوس أنطونيانوس، في السنة الأولى من ملكه. وظهر ابن ديصان بعد مرقيون بنحو ثلاثين سنة، وانما سمى ابن ديصان لأنه ولد على نهر يقال له ديصان. وزعم مانى أنه الفارقليط المبشر به عيسى . واستخرج ماني مذهبه من المجوسية والنصرانية، وكذلك القلم الذي يكتب به كتب الديانات مستخرج من السرياني والفارسي. وجول ماني البلاد قبل أن يلقى سابور نحو أربعين سنة، ثم أنه دعا فيروز أخا سابور بن أردشير، فأوصله فيروز إلى أخيه سابور. قالت المنانية: فدخل إليه وعلى كتفيه مثل السراجين من نور، فلما رآه أعظمه وكبر في عينه، وكان قد عزم على الفتك به وقتله، فلما لقيه داخلته له هيبة، وسر به وسئله عما جاء فيه، فوعده أنه يعود إليه، وسئله ماني عدة حوائج منها أن يعز اصحابه في البلاد (٣) وسائر بلاد مملكته، وأن ينفذوا حيث شاؤا من البلاد. فأجابه سابور إلى جميع ما سئل. وكان مانى دعا الهند والصين وأهل خراسان. وخلف في كل ناحية صاحبا له.

[ذكر ما جاء به ماني وقوله في صفة القديم وبناء العالم والحروب التي كانت بين النور والظلمة]

قال ماني: مبدأ العالم كونين أحدهما نور والاخر الظلمة، كل واحد منهما منفصل من الآخر. فالنور هو العظيم الأول، ليس بالعدد، وهو الإله ملك جنان النور، وله خمسة أعضاء. الحلم والعلم والعقل والغيب والفطنة، وخمسة أخر روحانية وهي، الحب والايمان والوفاء والمودة (٤) والحكمة.


(١) ف (اخذا).
(٢) ف (انفذ).
(٣) ف (البلد).
(٤) ف (والمروة).

<<  <  ج: ص:  >  >>