للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النصرانية إلى حالها. فعاد المنع من كتب الفلسفة، وخزنها إلى ما عليه إلى الآن. وقد كانت الفرس نقلت في القديم شيئاً من كتب المنطق والطب إلى اللغة الفارسية، فنقل ذلك إلى العربي عبد الله بن المقفع وغيره.

حكاية أخرى

كان خالد بن يزيد بن معاوية يسمى حكيم آل مروان، وكان فاضلاً في نفسه وله همة ومحبة للعلوم. خطر بباله الصنعة فأمر بإحضار جماعة من فلاسفة اليونانيين ممن كان ينزل مدينة مصر وقد تفصح بالعربية. وأمرهم بنقل الكتب في الصنعة من اللسان اليوناني والقبطي إلى العربي. وهذا أول نقل كان في الإسلام من لغة إلى لغة. هم نقل الديوان وكان باللغة الفارسية إلى العربية في أيام الحجاج. والذي نقله صالح بن عبد الرحمن مولى (بني) تميم، وكان أبو صالح من سبي سجستان، وكان يكتب لزادا نفروخ بن پيرى كاتب الحجاج، يخط بين يديه بالفارسية والعربية. فخف على قلب الحجاج، فقال صالح لزادا نفروخ: إنك أنت سببي إلى الأمير، وأراه قد استخفني، ولا آمن أن يقدمني عليك وأن تسقط منزلتك. فقال: لا تظن ذلك، هو إلي أحوج مني إليه، لأنه لا يجد من يكفيه حسابه غيري، فقال: والله لو شئت أن أحول الحساب إلى العربية لحولته، قال: فحول منه أسطراً حتى أرى، ففعل. فقال له: تمارض فتمارض فبعث الحجاج إليه تيادورس طبيبه، فلم ير به علة، وبلغ زادا نفروخ ذلك فأمره أن يظهر. واتفق أن قتل زادا نفروخ في فتنة ابن الأشعث وهو خارج من موضع كان فيه إلى منزله، فاستكتب الحجاج صالحا مكانه، فأعلمه الذي كان جرى بينه وبين صاحبه في نقل الديوان. فعزم الحجاج على ذلك وقلده صالحا. فقال له مردانشاه بن زادا نفروخ: كيف تصنع بدهويه وششويه. قال: أكتب عشرا ونصف عشير (١) قال: فكيف تصنع بويد، قال: أكتب. وايضا، قال: والويد النيف والزياده تزاد. قال له: قطع الله أصلك من الدنيا كما قطعت أصل الفارسية. وبذلت له الفرس مائة ألف درهم على أن يظهر العجز من نقل الديوان فأبى إلا نقله فنقله. وكان (٢) عبد الحميد بن يحيى يقول: لله در صالح ما أعظم منته على الكتاب. وكان الحجاج أجله أجلاً في نقل الديوان. فأما الديوان بالشام، فكان بالرومية. والذي كان يكتب عليها، سرجون ابن منصور لمعوية بن أبي سفيان. ثم منصور بن سرجون. ونقل الديوان في زمن هشام بن عبد الملك. نقله أبو ثابت سليمان بن سعد مولى حسين، وكان على كتابة الرسائل أيام عبد الملك. وقد قيل إن الديوان نقل في أيام عبد الملك، فإنه أمر سرجون ببعض الأمر فتراخى فيه، فأحفظ عبد الملك، فاستشار سليمان فقال له: أنا انقل الديوان وارتحل (٣) منه.

[ذكر السبب الذي من أجله كثرت كتب الفلسفة وغيرها من العلوم القديمة في هذه البلاد]

أحد الأسباب في ذلك

أن المأمون رأى في منامه كأن رجلاً أبيض (اللون)، مشرباً حمرة، واسع الجبهة، مقرون الحاجب، أجلح الرأس، أشهل العينين، حسن الشمائل، جالس على سريره. قال المأمون: وكأني بين يديه قد ملئت له (٤) هيبة. فقلت: من أنت، قال: أنا أرسطاليس. فسررت به وقلت: أيها الحكيم اسئلك، قال: سل. قلت: ما الحسن، قال: ما حسن في العقل. قلت: ثم ماذا. قال: ما حسن في الشرع. قلت: ثم ماذا. قال: ما حسن عند الجمهور.


(١) ف (عشر).
(٢) (فكان).
(٣) ف (وارتجل).
(٤) ف (منه).

<<  <  ج: ص:  >  >>