للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ويؤيد هذه الدلالة من الآية ماحكاه السيوطي (١) في الإتقان قال: (الالتفات نقل الكلام من أسلوب إلى آخر، .. وله فوائد: منها تطرية الكلام وصيانة السمع عن الضجر والملال؛ لما جبلت عليه النفوس من حب التنقلات والسآمة من الاستمرار على منوال واحد وهذه فائدته العامة.

ويختص كل موضع بنكت ولطائف باختلاف محله -كما سنبين مثاله- من التكلم إلى الخطاب، ووجهه: حث السامع وبعثه على الاستماع حيث أقبل المتكلم عليه، وأعطاه فضل عناية تخصيص بالمواجهة (٢)). (٣)

كما أن في هذا الالتفات فائدة أخرى وهي: الإشارة إلى أنّ العبد إذا ذكر الله تقرّب منه فصار كأنه حاضر بين يديه تعالى ولذلك خاطبه بـ {إِيَّاكَ نَعْبُدُ}.

قال ابن كثير: (وتحولَ الكلام من الغيبة إلى المواجهة بكاف الخطاب، وهو مناسبة، لأنه لما أثنى على الله فكأنه اقترب وحضر بين يدي الله تعالى؛ فلهذا قال: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}). (٤)

وقد نصَّ على هذه الدلالة غيره من المفسرين كابن جزي (٥)، والرازي، وابن عادل الحنبلي، وأبو السعود، والألوسي، وغيرهم. (٦)


(١) هو عبدالرحمن بن أبي بكر بن محمد السيوطي الشافعي، أبو الفضل، جلال الدين، كان أعلم أهل زمانه بعلم الحديث وفنونه، صاحب المؤلفات النافعة الجامعة، من أشهرها (الدر المنثور) و (الإتقان) توفي سنة ٩١١ هـ. ينظر: شذرات الذهب (٨/ ٨٧)، وطبقات المفسرين للأدنه وي ص ٣٦٥.
(٢) وهي فائدة مشتركة بين ألوان الخطاب، فتصدق على الانتقال من الغيبة إلى الخطاب كذلك.
(٣) الإتقان في علوم القرآن (٣/ ٢٨٩)
(٤) تفسير القرآن العظيم (١/ ١٣٥)
(٥) هو: محمد بن أحمد بن جزي الكلبي، المالكي، أبو القاسم، كان فقيهاً حافظاً، بارعاً في فنون العربية، والأصول، والقراءات، والحديث، والأدب، توفي سنة ٧٤١ هـ. ينظر: الدرر الكامنة (٣/ ٣٥٦)، وطبقات المفسرين للداودي ص ٣٥٧.
(٦) ينظر: التسهيل لعلوم التنزيل (١/ ٦٦)، والتفسير الكبير (١/ ٢١٥)، واللباب في علوم الكتاب (١/ ١٩٨)، وإرشاد العقل السليم (١/ ١٦)، وروح المعاني (١/ ٩١)

<<  <   >  >>