للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والطرف الثاني: غلاة أثبتوا تأثير الأسباب، لكنهم غلوا في ذلك وجعلوها مؤثرة بذاتها، وهؤلاء وقعوا في الشرك، حيث أثبتوا موجداً مع الله تعالى وخالفوا السمع والحس. فقد دل الكتاب والسنة وإجماع الأمة على أنه لا خالق إلا الله، كما أننا نعلم بالشاهد المحسوس أن الأسباب قد تتخلف عنها مسبباتها بإذن الله، كما في تخلف إحراق النار لإبراهيم الخليل حين ألقي فيها فقال الله تعالى: {يَانَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ} [الأنبياء: ٦٩]. فكانت برداً وسلاماً عليه ولم يحترق بها.

وأما الوسط: فهم الذين هُدوا إلى الحق وتوسطوا بين الفريقين وأخذوا بما مع كل واحد منهما من الحق، فأثبتوا للأسباب تأثيراً في مسبباتها لكن لا بذاتها بل بما أودعه الله تعالى فيها من القوى الموجبة.) (١)

فالله سبحانه وتعالى خالق هذا الكون ومدبره، وضعه على سنن ثابتة، وربط الأسباب بالمسببات، ولو شاء تعالى تغيير هذه السنن أو سلب هذه الأسباب تأثيرها لفعل، فهو سبحانه القادر على كل شيء، لا راد لقضائه ولا مُعقب لحكمه، ولكنه جعل لهذا الكون نظاماً، وللأسباب تأثيراً، لحكمة أرادها سبحانه وتعالى، فلا تأثير لشيء في هذا الوجود إلا بأمره ولا يخرج شيء منه عن مشيئته وإرادته. (٢)

وبهذا يتبين عدم صحة دلالة هذه الآية على ما استنبطه الخطيب، والله تعالى أجلّ وأعلم.


(١) تقريب التدمرية لابن عثيمين (١/ ٩٨)
(٢) ينظر: الاستقامة لابن تيمية (١/ ١٤٤)، والصفدية (١/ ٢٦٣)

<<  <   >  >>