للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ونفى الشوكاني المعارضة بين القرآن والسنة وتكلف الجمع بينهما، بعد أن عدَّ كلاماً لأهل العلم في وجه الجمع قال: (وفي جميع هذه الأقوال ضعف، وعندي أنه لا تعارض بين القرآن والسنة، فإن القرآن دلَّ على أن الله فضل بعض أنبيائه على بعض، وذلك لا يستلزم أنه يجوز لنا أن نفضل بعضهم على بعض، فإن المزايا التي هي مناط التفضيل معلومة عند الله لا تخفى عليه منها خافية، وليست بمعلومة عند البشر، فقد يجهل أتباع نبي من الأنبياء بعض مزاياه وخصوصياته فضلا عن مزايا غيره، والتفضيل لا يجوز إلا بعد العلم بجميع الأسباب التي يكون بها هذا فاضلاً وهذا مفضولاً - إلى أن قال-: فلو فرضنا أنه لم يرد إلا القرآن في الإخبار لنا بأن الله فضَّل بعض أنبيائه على بعض، لم يكن فيه دليل على أنه يجوز للبشر أن يفضلوا بين الأنبياء، فكيف وقد وردت السنة الصحيحة بالنهي عن ذلك؟ وإذا عرفت هذا علمت أنه لا تعارض بين القرآن والسنة بوجه من الوجوه، فالقرآن فيه الإخبار من الله بأنه فضَّل بعض أنبيائه على بعض، والسنة فيها النهي لعباده أن يفضلوا بين أنبيائه، فمن تعرض للجمع بينهما زاعماً أنهما متعارضان فقد غلط غلطاً بيناً). (١)

والذي يظهر من كلام أهل العلم والله تعالى أعلم هوجواز التفضيل إجمالاً، ومنع التفضيل على وجه الخصوص، فلا يجوزُ المفاضلة بين نبيٍّ ونبي على وجه التخصيص (فاضل ومفضول)، وهذا صريحُ نص السنة الصحيحة التي وردت بالنهي «لا تفضلوا بين الأنبياء»، يعني به النهي عن التفضيل التفصيلي، بخلاف التفضيل على سبيل الإجمال (٢)، وهو ما تُحمل عليه دلالة الآية كما وجهه الخطيب، والله تعالى أعلم.


(١) فتح القدير (١/ ٣٠٨).
(٢) كقوله صلى الله عليه وسلم: «أنا سيد ولد آدم ولا فخر»، ولم يُعين. ينظر: المحرر الوجيز (١/ ٣٣٨)، والبحر المحيط (٢/ ٦٠٠)، والتحرير والتنوير (٣/ ٧)، والجموع البهية للعقيدة السلفية التي ذكرها الشنقيطي في تفسيره لأبي المنذر المنياوي (٢/ ٤٤٣)، والإرشاد إلى صحيح الاعتقاد للفوزان (١/ ١٧٩).

<<  <   >  >>