للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الإشارة إلى كمال عظمة الله، وعجز العبد.

{الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا} [البقرة: ٢٦٨]

قال الخطيب الشربيني - رحمه الله -: ({وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ} لما وقع منكم من تقصير، وفيه إشعار بأنه لا يقدر أحد أن يقدر الله حق قدره، لما له من الإحاطة بصفات الكمال، ولما جبل عليه الإنسان من النقص). (١)

الدراسة:

استنبط الخطيب من إشارة الآية دلالتها باللازم على مناسبة ختمها بقوله تعالى: {وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} وذلك للإشعار بكمال ذاته تعالى وصفاته، وتقصير الإنسان وعجزه، حيث وعد تعالى عباده بالمغفرة، وهذا دليل كمال في جانب الله، وعجز وتقصير في جانب العبد، وأنه لا يقدر أحد مهما بلغ، أن يقدر الله حق قدره، لجلاله وكمال صفاته، فله المحامد والفضائل كلها، التي لا يبلغها ولا يجزي بها أحد، يشهد له قوله سبحانه {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ} [الزمر: ٦٧].

وممن أشار إلى هذه الدلالة من الآية: البقاعي، وغيره. (٢)

وهي إشارة حسنة؛ إذ جاء وعد الرحمن عباده بالمغفرة في مقابلة وعد الشيطان لهم بالفقر، إشعاراً بكماله تعالى وعظمة سلطانه، وحاجة عباده وفاقتهم دائماً وأبداً إلى العفو والمغفرة مهما بلغ بهم من الطاعة، فإن المرء محل الضعف


(١) السراج المنير (١/ ١٨٠)
(٢) نظم الدرر في تناسب الآيات والسور (٤/ ٩٢)

<<  <   >  >>