للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

تقول بأن أصل أفعال العباد كلها ليست بقدرتهم، ومن ثَمَّ فكل تكاليف الشريعة من تكليف ما لا يطاق، ولهذا قالوا بجوازه.

وهذا الاستدلال بالآية غير صحيح؛ إذ المراد بقوله تعالى {مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ} ليس المستحيل، وإنما المراد به ما يكون شاقاً على العباد مع قدرتهم عليه (١)، كما قال تعالى: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} [البقرة: ١٨٤] أي الذي يشق عليهم مع أنهم يقدرون عليه.

والصواب في هذه المسألة هو التفصيل كما نصَّ على ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية (٢)، وابن أبي العز في شرح الطحاوية (٣)، وغيرهم، وذلك بأن يُقال: إن تكليف ما لا يطاق ينقسم قسمين: أحدهما: ما لا يُطاق للعجز عنه، كتكليف الزمن السير، وتكليف الإنسان الطيران، ونحو ذلك فهذا غير واقع في الشريعة عند جماهير أهل السنة المثبتين للقدَر.

والثاني: ما لا يُطاق للاشتغال بضده، كاشتغال الكافر بالكفر، فإنه هو الذي صدَّه عن الإيمان، وكالقاعد في حال قعوده، فإن اشتغاله بالقعود يمنعه أن يكون قائماً، والإرادة الجازمة لأحد الضدين تنافي إرادة الضد الآخر، وتكليف الكافر الإيمان من هذا الباب.

ومثل هذا ليس بقبيح عقلاً عند أحد من العقلاء، بل العقلاء متفقون على أمر الإنسان ونهيه بما لا يقدر عليه حال الأمر والنهي؛ لاشتغاله بضده إذا أمكن أن يترك الضد ويفعل الضد المأمور به، وهذا لا يدخل فيما لا يطاق، فإنه لا يقال


(١) ينظر: جامع البيان (٦/ ١٣٩)، وتفسير القرآن العظيم (١/ ٧٣٨)
(٢) ينظر: درء تعارض العقل والنقل (١/ ٦٥)، ومجموع الفتاوى (٨/ ٤٦٩).
(٣) ينظر: شرح الطحاوية (١/ ٢٩٨).

<<  <   >  >>