للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال ابن جزي مؤيداً هذه الدلالة: (هذا الدعاء دليل على جواز تكليف ما لا يطاق؛ لأنه لا يُدعى برفع ما لا يجوز أن يقع، ثم إن الشرع دفعَ وقوعه). (١)

وممن نصَّ على هذه الدلالة موافقاً الخطيب: الرازي، والبيضاوي، وابن جزي، والخازن، والنيسابوري، والشهاب الخفاجي، وغيرهم. (٢)

والقول بجواز تكليف ما لا يطاق عقلاً هو قول الأشاعرة (٣)، وهي من المسائل التي وقع فيها الخلاف بين الفِرق وذلك تبعاً للخلاف الواقع في الاستطاعة والتحسين والتقبيح (٤)، وقد بنى الأشاعرة قولهم في هذه المسألة على أصلهم في منع التعليل في أفعال الله عز وجل ومنع التحسين والتقبيح العقليين، ووجه استدلالهم بهذه الآية قولهم: لولا حسُن وقوع التكليف بما لايطاق ما سألوا دفعه، فلفظ «حُسن» هو على طريقة المعتزلة في التحسين والتقبيح، والأشاعرة


(١) التسهيل (١/ ١٤٣)
(٢) التفسير الكبير (٧/ ١٢٢): أنوار التنزيل (١/ ١٦٦)، التسهيل (١/ ١٤٣)، لباب التأويل (١/ ٢٢١)، غرائب القرآن (٢/ ٩٤)، وحاشية الشهاب علي تفسير البيضاوي (٢/ ٣٥٤).
(٣) نسبه لهم الزبيدي في إتحاف السادة المتقين (٢/ ١٨٢) وابن أبي العز في شرح الطحاوية (١/ ٢٩٨)، والقرطبي قال: «قال أبو الحسن الاشعري وجماعة من المتكلمين: تكليف ما لا يطاق جائز عقلا، ولا يخرم ذلك شيئا من عقائد الشرع». الجامع لأحكام القرآن (٣/ ٤٣٠)
(٤) قالت الجهمية بجواز تكليف ما لا يطاق مطلقاً، وقالت المعتزلة بعدم جواز تكليف ما لا يطاق لأنه قبيح والله تعالى منزه عن فعل القبيح فلا يجوز صدوره منه.
وقالت الأشاعرة بجواز تكليف ما لا يطاق عقلاً وإن لم يقع في الشرع، وأجازوه عقلاً بناء على نفيهم الحسن والقبيح العقليين. وأما الماتريدية فقد وافقوا المعتزلة فقالوا بعدم جواز تكليف ما لا يطاق لأنه فاسد عقلاً ولعدم وجود القدرة التي هي مقتضى التكليف.
ينظر: التوحيد للماتريدي (١/ ٢٦٣)، ومجوع الفتاوى (٨/ ٢٧٩)، والملل والنحل للشهرستاني (١/ ٩٦)، والانتصار في الرد على المعتزلة القدرية (٢/ ٤٦٣)، والمستصفى للغزالي (١/ ٩٨)، والمطالب العالية للرازي (٩/ ٢٦٧)، وشرح الأصول الخمسة للقاضي عبد الجبار المعتزلي ص ١٣٣.

<<  <   >  >>