للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الدراسة:

استنبط الخطيب من الآية دلالتها باللازم على كرامة الأولياء؛ حيث أخبر تعالى أن زكريا عليه السلام كلما دخل على مريم المحراب وجد عندها رزقاً، فلمّا سألها عنه قالت: هو من عند الله، فحصول ذلك الرزق عندها على هذا الوجه أمرٌ خارق للعادة، وفيه تعظيم لشأن مريم، وكرامة لها.

وهكذا فهم زكريا عليه السلام هذا المعنى، وإلا لم يكن ليقتنع بجواب مريم:

{هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ}، وهذا من الآية التي قال الله تعالى عنها: {وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آيَةً لِلْعَالَمِينَ}، ويدل لذلك أنه تعالى قال بعد هذه الآية {هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً}، مع أنه كان آيساً من الولد بسبب شيخوخته وكِبَر زوجته، فلما رأى انخراق العادة في حق مريم، طمع في انخراق العادة في حقه هو أيضاً بحصول الولد من المرأة الشيخة العاقر.

وقد تواترت الروايات (١) أن زكريا عليه السلام كان يجد عندها فاكهة الشتاء في الصيف، وفاكهة الصيف في الشتاء، فثبت أن الذي ظهر في حق مريم عليها السلام كان فعلاً خارقاً للعادة. (٢)

وممن قال بهذا الاستنباط: الزجاج، وابن عطية، والرازي، والبيضاوي، وأبو حيان، وابن كثير، وأبو السعود، والمظهري، والقاسمي، والسعدي وغيرهم. (٣)


(١) ينظر: جامع البيان (٦/ ٣٥٣ - ٣٥٦)، وتفسير القرآن العظيم (٢/ ٣٧)، والدر المنثور للسيوطي (٥/ ٤٩٨)، وينظر: التنبيهات اللطيفة على ما احتوت عليه العقيدة الواسطية من المباحث المنيفة للسعدي، ص ٩٧.
(٢) ينظر: التفسير الكبير للرازي (٨/ ٢٠٧).
(٣) ينظر: معاني القرآن وإعرابه (١/ ٤٠٤)، والمحرر الوجيز ١/ ٢٤٧، والتفسير الكبير ٨/ ٢٠٧، وأنوار التنزيل ٢/ ١٥، والبحر المحيط ٣/ ١٢٤، وتفسير القرآن العظيم ر ٢/ ٣٦، وإرشاد العقل السليم ٢/ ٣٠، والتفسير المظهري (٢/ ٤٣)، ومحاسن التأويل ٢/ ٣١٣، وتيسير الكريم الرحمن (١/ ١٢٩).

<<  <   >  >>