للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

استنبط الخطيب من الآية عدم جواز لعن الكافر المعيَّن، لأن الله تعالى لما خصّ الذين كفروا بعد إيمانهم بأن جزاءهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، دلّ بمفهوم المخالفة على أنه لا يجوز لعن غيرهم من عموم الكفار الذين لم يكفروا بعد إيمانهم.

وقد حكَم تعالى في قوله: {أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ} بأن الذين كفروا بعد إيمانهم يمنعهم الله من هدايته ويعذبهم في الآخرة، وأن الأمر غير مقصور عليه، بل وتلعنهم الملائكة كذلك، والناس أجمعين، مما يدل على قبح فعلهم وعظيم غوايتهم.

ويُفهم من دلالة هذه الآية أنه يجوز لعن من كفر بعد إيمانه، أما من سواه من الكفار فلا يجوز لعنه، ولعل الفرق بينهم -كما حكاه البيضاوي - أنهم مطبوعون على الكفر ممنوعون عن الهدى آيسون من الرحمة بخلاف غيرهم. (١)

ولذلك فإنه لا يجوز لعن الكافر المعيّن إن كان حيَّاً، لأن حاله عند الوفاة لا تُعلم، وقد شرط الله تعالى في إطلاق اللعنة الوفاة على الكفر، وذلك في قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ} [البقرة: ١٦١]، ولأنّا لا ندري ما يختم به لهذا الكافر.

وممن استنبط هذه الدلالة من الآية: البيضاوي، وأبو السعود، وغيرهما. (٢)

ويؤيده ما جاء في تفسير قوله تعالى: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ} [آل عمران: ١٢٨] أي: لا تدعُ عليهم فلعلّ الله أن يتوب


(١) أنوار التنزيل وأسرار التأويل ٢/ ٢٧.
(٢) ينظر: المرجع السابق، وإرشاد العقل السليم ٢/ ٥٦.

<<  <   >  >>