للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال الجصّاص في تقرير ذلك: (في هذه الآية دلالة على صحة إجماع الأمة من وجوه: أحدها: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ} ولا يستحقون من الله صفة مدح إلا وهم قائمون بحق الله تعالى غير ضالين، والثاني: إخباره بأنهم يأمرون بالمعروف، فما أُمروا به فهو أمر الله تعالى؛ لأن المعروف هو أمر الله، والثالث: أنهم ينكرون المنكر، والمنكر هو ما نهى الله عنه، ولا يستحقون هذه الصفة إلا وهم لله رضى (١)، فثبت بذلك أن ما أنكرته الأمة فهو منكر، وما أمرت به فهو معروف، وهو حكم الله تعالى، وفي ذلك ما يمنع وقوع إجماعهم على ضلال، ويوجب أن ما يحصل عليه إجماعهم هو حكم الله تعالى.) (٢)

وممن استنبط حجية إجماع الأمة من هذه الآية: الجصّاص، والرازي، والبيضاوي، والنيسابوري، والشهاب الخفاجي، والقاسمي، والسعدي، وغيرهم. (٣)

قال السعدي مؤيداً دلالة الآية من جملة أدلته: (ووجه الدلالة منها - أي الآية -: أن الله تعالى أخبر أن المؤمنين من هذه الأمة لا يأمرون إلا بالمعروف، فإذا اتفقوا على إيجاب شيء أو استحبابه فهو مما أُمروا به، فيتعيَّن بنص الآية أن يكون معروفاً ولا شيء بعد المعروف غير المنكر، وكذلك إذا اتفقوا على النهي عن شيء فهو مما نهوا عنه فلا يكون إلا منكراً، ومثل ذلك قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ} وقوله تعالى: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ}


(١) (رضى) هكذا هي، راجعتها في أكثر من نُسخة
(٢) أحكام القرآن (٢/ ٣٢٢)
(٣) ينظر: أحكام القرآن للجصاص (٢/ ٣٢٢)، والتفسير الكبير (٨/ ٣٢٤)، وأنوار التنزيل (٢/ ٣٣)، وغرائب القرآن (٢/ ٢٣٤)، وحاشيه الشهاب على البيضاوي (٣/ ٥٤)، ومحاسن التأويل (١/ ٤١٧)، وتيسير الكريم الرحمن (١/ ٢٠٣).

<<  <   >  >>