للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

على الإشهاد فقال: {فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ} وظاهر الأمر للوجوب، ولأنه أمين من جهة الشرع لا من جهة اليتيم، وليس له نيابة عامة كالقاضي، ولا كمال الشفقة كالأب، لكن يُصدَّق في قدر النفقة، وفي عدم التقتير والإسراف، لعسر إقامة البينة على ذلك، وتنفيره الناس عن قبول الوصاية. (١)

قال ابن الفرس: (لولا أنه يضمن إذا أنكره المحجور، لم يكن للأمر بالتوثق فائدة). (٢)

وقال القرطبي: (وهذا الإشهاد مستحب عند طائفة من العلماء، فإن القول قول الوصي، لأنه أمين. وقالت طائفة: هو فرض، وهو ظاهر الآية، وليس بأمين فيُقبل قوله، كالوكيل إذا زعم أنه قد ردَّ ما دفع إليه، أو المودع). (٣)

ووافق أبا حنيفة في قبول قول الوصي بيمينه دون بينة من المفسرين: أبو السعود، وحقي، والألوسي، وغيرهم. (٤)

والأظهر والله تعالى أعلم أن في أمر الله تعالى أولياء الأيتام بالإشهاد عليهم بعد البلوغ من الحِكم ما لا يخفى، ويكفي فيها الاحتياط لكلٍ من اليتيم ووالي ماله، لأن الأحوال تتبدل، والرشد يتفاوت، فالأمر بالإشهاد أزجر للولي عن الخيانة، لأن من عرف أنه لا يُقبل عند الخصام إلا ببينة عفَّ عنه، واحترز منه. وكذلك الحال بالنسبة لليتيم فإنه إذا قامت عليه البينة بقبض المال كان أبعد أن يدعي ما ليس له (٥)، وعليه فالأولى والأحوط أن يُشهد عليه (٦)، كما دلَّت عليه هذه الآية، وبهذا يظهر صحة استنباط الخطيب، والله تعالى أعلم.


(١) ينظر: غرائب القرآن للنيسابوري (٢/ ٣٥٤)، والتفسير الكبير (٩/ ٥٠٠)، والبحر المحيط (٣/ ٥٢٣).
(٢) أحكام القرآن (٢/ ٦٨)
(٣) الجامع لأحكام القرآن (٥/ ٤٤)
(٤) ينظر: إرشاد العقل السليم (٢/ ١٤٦)، وروح البيان (٢/ ١٦٧)، وروح المعاني (٢/ ٤١٩).
(٥) ينظر: أحكام القرآن للجصاص (٢/ ٣٦٤)، ونظم الدرر للبقاعي (٥/ ١٩٩).
(٦) ينظر: الشرح الممتع لابن عثيمين (٩/ ٣١٦).

<<  <   >  >>