للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

استنبط الخطيب بدلالة اللازم من الآية أنَّ على كل طالب شيء أن لا يأخذه إلا من أجلّ العلماء به، وأشدّهم دراية له، فإن للعالِم الحاذق من الفضيلة ما ليس للجاهل، فالكلب إذا عُلِّم ودُرِّب وأتقن يكون له فضيلة على سائر الكلاب، وكذلك الإنسان إذا كان له علم وبصيرة أولى أن يكون له فضل على سائر الناس.

قال سبحانه: {مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ} وهذا يُشعِر ويدل على فضل العلم وشرفه؛ إذ ذكر ذلك في معرض الامتنان، والمعنى: إن تعليمكم إياهن ليس من قِبَل أنفسكم، وإنما هو من العلم الذي علّمكم الله وألهمكم إياه، وهو أن جعل لكم رويّة وفكراً بحيث قبلتم العلم. (١)، فكذلك الجوارح يصير لها إدراك وشعور بحيث يقبلن الائتمار والانزجار؛ فيتبع الكلب الصيد بإرسال صاحبه له، وينزجر بزجره، وينصرف بأمره، ويمسك الصيد عليه، ولا يأكل منه.

قال الزمخشري: «(المكلِّب) (٢) مؤدب الجوارح ومضريها بالصيد لصاحبها ورائضها لذلك، بما علم من الحيل وطرق التأديب والتثقيف. واشتقاقه من (الكلب) لأن التأديب أكثر ما يكون في الكلاب فاشتق من لفظه لكثرته في جنسه، أو من الكلب الذي هو بمعنى الضراوة، يقال: هو كلب بكذا إذا كان ضارياً به.

وانتصاب (مُكلّبينَ) على الحال من (عَلّمتم). فإن قلتَ: ما فائدة هذه الحال وقد استغنى عنها بـ (عَلّمتم)؟ قلتُ: فائدتها أن يكون من يعلم الجوارح نحريراً في علمه، مدرّيا فيه، موصوفاً بالتكليب». (٣)


(١) ينظر البحر المحيط لأبي حيان ٤/ ١٨٠. والأغراب في أحكام الكلاب لابن المبرد ص ١٠٦.
(٢) (المكلّب) بتشديد اللام وكسرها معلم كلاب الصيد ومضريها. ينظر: الصحاح للجوهري ١/ ٢١٣، ومختار الصحاح للرازي ١/ ٢٧٢، ولسان العرب لابن منظور ١/ ٧٢٢.
(٣) الكشاف ١/ ٦٠٦.

<<  <   >  >>