للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وممن استنبط هذه الدلالة من الآية: السمرقندي، والزمخشري، والنسفي، وأبوحيان، وأبو السعود، والقاسمي، وابن عاشور، وغيرهم. (١)

قال أبو السعود: (وانتصابه - يعني (مُكلبين) - على الحالية من فاعل (عَلّمتم)، وفائدتها: المبالغة في التعليم، لما أن الاسم المكلّب لا يقع إلا على النحرير في علمه). (٢)

ومن المعلوم - كما هي دلالة الآية الكريمة - أنه كلما زاد علم المرء، زادت بصيرته وحذِق في فنونه، فكان أولى أن ينصرف الناس إليه، وكان أحرى أن ينتفع الناس بعلمه، فكم من جاهل قد أفنى عمره، وضيّع أوقاته في مجالسَ يُزعم أنها للعلم، والباطل فيها أكثر من الحق، والبدعة فيها أولى من السُنّة، فضاعت أيامه، وفرَّط في حظ كبير من العلم.

فأفادت هذه الآية أنه حريٌ بطالب العلم في أي فنٍ من فنونه أن يلتمسه عند أهله، وهم أهل الدراية والمعرفة الحاذقين فيه، المتمكِّنين منه، ولو بَعُدت بينهم المسافات، وفرقتهم الديار والأمصار.

وهذه الدلالة من الآية من لطائف الاستنباط عند الخطيب، ويؤيد صحتها ماجاء في فضل أهل العلم وجلالة قدرهم، وعلو رتبتهم على من سواهم من سائر الخلق، ويكفي أن أجر العالم المتصدي للخلق وفضله مُقدّم على أجر العابد بل الزاهد المنقطع للعبادة، كما أخبر صلى الله عليه وسلم «فضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب وإن العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً وإنما ورثوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظ وافر» (٣)، والله تعالى أعلم.


(١) ينظر: تفسير القرآن للسمرقندي ١/ ٣٧١، والكشاف ١/ ٦٠٦، ومدارك التنزيل ١/ ٤٢٨، والبحر المحيط ٤/ ١٨٠، وإرشاد العقل السليم ٣/ ٨، ومحاسن التأويل ٤/ ٣٨، والتحرير والتنوير ٦/ ١١٥.
(٢) إرشاد العقل السليم ٣/ ٨.
(٣) تقدم تخريجه.

<<  <   >  >>