للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

استنبط الخطيب من الآية دلالتها باللازم على أنّه يجدر بالحاسد أن يرى حرمانه من تقصيره، ويجتهد في تحصيل ما ينفعه، لا في إزالة حظ المحسود، فإنّ ذلك مما يضرّه ولا ينفعه، وذلك لمّا كان الحسد من قابيل لأخيه على تقبل قربانه هو الذي حمله على توعده بالقتل فأجابه هابيل: {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} فلمَ تقتلني؟ أي: ومالك لا تعاتب نفسك ولا تحملها على تقوى الله تعالى التي هي السبب في القبول، فإنما أوتيتَ من قِبل نفسك ولم يكن الذنب مني، وإنما لم يُتقبل منك لخيانتك وسوء نيتك. (١)

وفي هذا موعظة له وتعريض بأثر حسده عليه، وأنه لا يضر إلا نفسه. (٢)

وممن وافق الخطيب في استنباط هذه الدلالة: البيضاوي، والشهاب الخفاجي، وغيرهما. (٣)

وهي إشارة لطيفة من الآية، فالحسد يضر الحاسد في الدين والدنيا، ولا يستضر بذلك المحسود، فإن الحاسد قد سخط قضاء الله تعالى فكرِه نعمته على عباده، وهذا قدح في الإيمان، ويكفيه أنه شارك إبليس في الحسد، ثم إن الحسد يحمل على إطلاق اللسان في المحسود بالشتم والتحيل على أذاه. وأما ضرره في الدنيا فإن الحاسد يتألم ولا يزال في كمد. (٤)


(١) ينظر: بحر العلوم للسمرقندي (١/ ٣٨٤)
(٢) ينظر: التحرير والتنوير لابن عاشور (٦/ ١٧٠)
(٣) ينظر: أنوار التنزيل للبيضاوي، وحاشية الشهاب علي تفسير البيضاوي (٣/ ٢٣٣).
(٤) ينظر: غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب للسفاريني (٢/ ٢٨٥)

<<  <   >  >>