للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهنا مسألة صحة تكليف المعدوم أوخطاب المعدوم؟ (١)

والصحيح فيها أن المعدوم مُكلَّف إذا وُجد بالخطاب الأول، ولا يحتاج في تكليفه لخطاب جديد، ولا يفتقر إلى إدخاله مع الأوائل بالقياس عليهم؛ لأنه كان داخلاً معهم بالأصالة.

ويدل لذلك هذه الآية إذ هي نص قاطع في هذه المسألة، وبيان ذلك: أن النبي صلى الله عليه وسلم قد بعثه الله تعالى بشيراً ونذيراً وداعياً إليه بإذنه، وهذه النذارة التي أوكلت له صلى الله عليه وسلم متوجهة لطائفتين، طائفة موجودة وهي: المرادة بقوله: {لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ}، والخطاب هنا للموجودين في عهده، والطائفة الثانية: الطائفة التي لم توجد في عهده، فيدخلون جميعهم في قوله {وَمَنْ بَلَغَ}، فالموجودة حصلت النذارة لهم بالمباشرة، والمعدومة حصلت النذارة لهم بالبلاغ، فكل من بلغه القرآن فقد قامت عليه الحجة واتضحت له المحجة، فسائر الأمة بعده صلى الله عليه وسلم إلى أن تقوم الساعة تدخل


(١) هذه مسألة مشهورة عند الأصوليين، والمراد بالمعدوم هو: من لم يوجد في زمن نزول الخطاب الشرعي، كالأجيال التي جاءت بعد عهد النبوة إلى عهدنا هذا، وكالأجيال التي لم توجد الآن وإنما ستوجد في الأزمنة اللاحقة. وهذه المسألة فيها مذهبان:
الأول: مذهب أهل السنة والجماعة وهو نفسه مذهب الأشاعرة، لكنهما اتفقا في النتيجة وإن اختلفا في الأصل الذي بُنيت عليه المسألة وهو صحة تكليف المعدوم، بشرط: (إذا وُجِد) أي خلق مستجمعًا لشرائط التكليف، وهذا هو الصواب وهو ما دلت عليه ظواهر النصوص من الكتاب والسنة، كما في هذه الآية {لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ} [الأنعام: ١٩] يعني بلغه القرآن.
والمذهب الثاني هو: مذهب المعتزلة فأنكروا خطاب المعدوم، وعلى هذا عندهم أن أوامر الشرع الواردة في عصر النبي صلى الله عليه وسلم تختص بالموجودين فقط، فلا يتناول النص إلا الموجود، وأما من بعده فيتناوله الخطاب بالدليل؛ فلا بد من دليل منفصل بنصٍّ أو إجماع أو قياس. ينظر: شرح الطحاوية (١/ ١٦٩)، وينظر الخلاف في هذه المسألة وأدلته وتحقيقه في: الإحكام للآمدي ١/ ١٥٣، والبحر المحيط للزركشي ٢/ ١٠٢، وإرشاد الفحول ١/ ٣٨، ومذكرة في أصول الفقه (١/ ٢٤٠).

<<  <   >  >>