للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال القرطبي: ({مَنْ يَشَإِ اللَّهُ يُضْلِلْهُ} دلَّ على أنه شاء ضلال الكافر وأراده لينفذ فيه عدله. ألا ترى أنه قال: {وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} أي على دين الإسلام لينفذ فيه فضله، وفيه إبطال لمذهب القدرية.) (١)

وممن استنبط هذه الدلالة من الآية: الرازي، والقرطبي، والبيضاوي، والنسفي، والخازن، وأبوحيان، وابن عادل، والسيوطي، والألوسي، والقاسمي، وغيرهم. (٢)

وتأوّلت المعتزلة هذه الآية فقالوا: معنى يضلله: يخذله، وضلاله أن لم يلطف به؛ لأنه ليس من أهل اللطف، ومعنى يجعله على صراط مستقيم: يلطف به لأن اللطف يجري عليه، وهذا على قول الزمخشري (٣)، وهو من تحريفاته للهداية والضلالة تبعاً لمعتقده الفاسد في أن الله تعالى لا يخلق الهدى ولا الضلال، وأنهما من جملة مخلوقات العباد. (٤)

ومذهب أهل السنة والجماعة إثبات المشيئة لله، وأن كل ما في الكون واقع بمشيئة الله تعالى. (٥)


(١) الجامع لأحكام القرآن (٦/ ٤٢٢)
(٢) ينظر: التفسير الكبير (١٢/ ٥٣١)، الجامع لأحكام القرآن (٦/ ٤٢٢)، وأنوار التنزيل (٢/ ١٦١)، مدارك التنزيل (١/ ٥٠٣)، ولباب التأويل (٢/ ١١١)، والبحر المحيط (٤/ ٥٠٦)، واللباب في علوم الكتاب (٨/ ١٣٢)، وروح المعاني (٤/ ١٤٠)، ومحاسن التأويل (٤/ ٣٥٨)
(٣) ينظر: الكشاف (٢/ ٢٢).
(٤) ينظر: حاشية الانتصاف على الكشاف لابن المنير (٢/ ٢٢)
(٥) وهي تختلف عن الإرادة بأنها لا تنقسم إلى كونية، وشرعية؛ بل هي كونية محضة؛ فما شاء الله كان؛ وما لم يشأ لم يكن سواء كان مما يحبه، أو مما لا يحبه؛ كما قال تعالى: {مَنْ يَشَإِ اللَّهُ يُضْلِلْهُ} [الأنعام: ٣٩]؛ فهذا لا يحبه؛ وقوله تعالى: {وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [الأنعام: ٣٩]: فهذا يحبه؛ وكل فعل علَّقه الله بالمشيئة فإنه مقرون بالحكمة؛ ودليل ذلك سمعي، وعقلي؛ فمن السمع: {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا} [الإنسان: ٣٠]؛ فدلَّ هذا على أن مشيئته مقرونة بالحكمة؛ وأما العقل فلأن الله سبحانه وتعالى سمَّى نفسه بأنه «حكيم»؛ والحكيم لا يصدر منه شيء إلا وهو موافق للحكمة. ينظر: تفسير سورة البقرة للعثيمين (٣/ ٢٥)

<<  <   >  >>