قال ابن أبي العز في شرحه كلام الطحاوي رحمهما الله:
(يهدي من يشاء، ويعصم ويعافي فضلاً، ويضل من يشاء، ويخذل ويبتلي عدلاً) رداً على المعتزلة في هذا الباب:
قال:(هذا رد على المعتزلة في قولهم بوجوب فعل الأصلح للعبد على الله، وهي مسألة الهدى والضلال. قالت المعتزلة: الهدى من الله: بيان طريق الصواب، والإضلال: تسمية العبد ضالاً، أو حكمه تعالى على العبد بالضلال عند خلق العبد الضلال في نفسه. وهذا مبني على أصلهم الفاسد: أن أفعال العباد مخلوقة لهم. والدليل على ما قلناه قوله تعالى:{إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ}[القصص: ٥٦]. ولو كان الهدى بيان الطريق لما صح هذا النفي عن نبيه، لأنه صلى الله عليه وسلم بين الطريق لمن أحب وأبغض. وقوله تعالى:{وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا}[السجدة: ١٣]. وقوله:{يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ}[المدثر: ٣١]. ولو كان الهدى من الله البيان، وهو عام في كل نفس لما صح التقييد بالمشيئة. وكذلك قوله تعالى:{وَلَوْلَا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ}[الصافات: ٥٧]. وقوله {مَنْ يَشَإِ اللَّهُ يُضْلِلْهُ وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}[الأنعام: ٣٩].)(١)
وفي هذا دليل على أن الهادي والمضل هو الله تعالى، وأن ما وقع من الأفعال إنما هوبمشيئة الله، وما لم يقع إنما لم يقع لأن الله لم يشأه، سواء ذلك في الطاعة أو المعصية أو ما ليس بطاعة ولا معصية من المباحات، والمشيئة عند أهل السنة لا يلزم منها الحب والرضا، وإنما تتعلق بالإرادة الكونية القدرية التي لا يخرج شيء
(١) شرح الطحاوية (١/ ١٣٧)، وينظر: شرح الواسطية لصالح الفوزان (١/ ٩٠)