للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ووجه النهي عن سبّ أصنامهم هو أن السبّ لا تترتب عليه مصلحة دينية؛ لأن المقصود من الدعوة هو الاستدلال على إبطال الشرك، وإظهار استحالة أن تكون الأصنام شركاء لله تعالى، فذلك هو الذي يتميز به الحق عن الباطل، وينهض به المُحِق ولا يستطيعه المبطل، فأما السبّ فإنه مقدور للمُحق وللمبطل فيظهر بمظهر التساوي بينهما، وربما استطاع المبطل بوقاحته وفُحشه ما لا يستطيعه المحق، فيلوح للناس أنه تغلّب على المُحق. ويكفي وصف الأوثان بأنها جمادات لا تنفع ولا تضر في القدح في إلهيتها، فلا حاجة مع ذلك إلى شتمها. (١)

ومن هذا القبيل - وهو ترك المصلحة لمفسدة أرجح منها - ماجاء في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «إن من أكبر الكبائر أن يلعن الرجل والديه» قيل: يا رسول الله، وكيف يلعن الرجل والديه؟ قال: «يسبُّ الرجل أبا الرجل، فيسبُّ أباه، ويسبُّ أمه» (٢)، وكان عليه الصلاة والسلام يكِفُّ عن قتل المنافقين؛ لأنه ذريعة إلى قول الكفار: إن محمداً يقتل أصحابه. (٣)

وممن استنبط هذه القاعدة الجليلة من الآية: السمرقندي، والرازي، والقرطبي، والبيضاوي، وابن كثير، والسيوطي، وأبو السعود، والشوكاني، والقاسمي، والسعدي، وابن عاشور وغيرهم. (٤)


(١) ينظر: التحرير والتنوير لابن عاشور ٧/ ٤٣٠.
(٢) أخرجه البخاري في كتاب الأدب، باب: لايسب الرجل والديه، برقم (٥٩٧٣)، (٨/ ٣)
(٣) ينظر: تفسير القرآن العظيم (٣/ ٣١٥).
(٤) ينظر: تفسير القرآن للسمرقندي ١/ ٤٧٤، والتفسير الكبير ١٣/ ١١٠، والجامع لأحكام القرآن ٧/ ٦١، وأنوار التنزيل ٢/ ١٧٧، وتفسير القرآن العظيم ٣/ ٣١٥، والإكليل ١/ ١٢٠، وإرشاد العقل السليم ٣/ ١٧٢، وفتح القدير ٢/ ١٧١، ومحاسن التأويل ٦/ ١٤٧، وتيسير الكريم الرحمن ١/ ٢٦٩، والتحرير والتنوير ٧/ ٤٣٠.

<<  <   >  >>