للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال الطبري: (وهذا خبر من الله تعالى ذِكره أنه قابِل من كل تائب إليه من ذنب أتاه، صغيرة كانت معصيته أو كبيرة، كُفراً كانت أو غير كفر، كما قبِل من عبدة العجل توبتهم بعد كفرهم به بعبادتهم العجل وارتدادهم عن دينهم). (١)

فنبَّه تعالى عباده وأرشدهم إلى أنه يقبل توبة عباده من أي ذنب كان، حتى ولو كان من كفر أو شرك أو نفاق؛ ولهذا عقَّب هذه القصة بقوله: {وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ ثُمَّ تَابُوا مِنْ بَعْدِهَا وَآمَنُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ}. (٢)

وفي هذا رد على المعتزلة القائلين بوجوب وعيد الفساق، وأن مغفرة الذنب بدون التوبة منه من المحال الممتنع. (٣)، والحق أن المغفرة لما عدا الشرك موكولة إلى المشيئة، غير ممتنعة عقلاً، ثم هي واقعة نقلاً (٤)، وأهل السنة لا يقطعون للمؤمن مرتكب الكبيرة بالعقوبة ولا بالعفو، بل هو في مشيئة الله، وإنما يقطعون بعدم الخلود في النار بمقتضى ما سبق من وعده تعالى وثبت بالدليل (٥)، خلافاً للمعتزلة والخوارج (٦)، وهو استنباط حسن من الآية، والله تعالى أعلم.


(١) جامع البيان للطبري (١٣/ ١٣٧)
(٢) ينظر: تفسير القرآن العظيم (٣/ ٤٧٨).
(٣) ينظر الرد عليهم في: لوامع الأنوار البهية (١/ ٣٨٩)، والانتصار في الرد على المعتزلة (٣/ ٦٦٩)، وفتح المجيد شرح كتاب التوحيد لعبد الرحمن بن عبدالوهاب التميمي (١/ ٧٩)، ومعارج القبول للحكمي (٣/ ١٠٠٤).
(٤) ينظر: حاشية الانتصاف على الكشاف لأحمد بن المنير (٢/ ١٦٢)
(٥) ينظر: لوامع الأنوار البهية (١/ ٣٨٩)، وفتح الباري (١/ ٦٨).
(٦) قالت المعتزلة: نقطع له بالعذاب الدائم، والبقاء المخلد في النار، لكنه عندهم يعذب عذاب الفساق لا عذاب الكفار، وأما الخوارج فعندهم أنه يعذب عذاب الكفار لكفره عندهم. ينظر: شرح الطحاوية (٢/ ٤٤٢).

<<  <   >  >>