للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وفي هذا إشارة إلى حضور القلب أثناء التلفظ بالاستعاذة، فالمستعيذ بالله عند تفوهه بلفظ الاستعاذة يستشعرمعنى الاعتصام بالله تعالى واللجوء إليه، ولا يكتفي بمجرد اللفظ، بل يتيقن كل اليقين أنه متعرض لشر عظيم، ومن ثمّ فإنه يلجأ إلى الله تعالى ويمتنع به ويعتصم؛ ليجيره من هذا الشر ويحميه منه، أما التلفظ بالاستعاذة مجرد قول وذكر، مجرداً من غير حضور قلب ولا شعور، فإنه لا يحصل للمستعيذ ما يرجوا من النجاة من شر إبليس وكيده، ووسوسته، وكما أن حضور القلب مطلوب في الصلاة والدعاء وغيرها من الطاعات، فكذلك في الاستعاذة.

وهذه إشارة لطيفة، حسُن التنبيه عليها، وقد وافق الخطيب في استنباطها من الآية: الرازي، وابن القيم، وأبوحيان، والنيسابوري، وغيرهم. (١)

قال ابن القيم مشيراً لهذا المعنى: ( .. والإخبار بأنه سبحانه يسمع ويعلم، فيسمع استعاذتك فيجيبك، ويعلم ما تستعيذ منه فيدفعه عنك، فالسمع لكلام المستعيذ، والعلم بالفعل المستعاذ منه، وبذلك يحصل مقصود الاستعاذة). (٢)

وقال أبو حيان: (وختم بهاتين الصفتين لأن الاستعاذة تكون بالنسيان ولا تجدي إلا باستحضار معناها فالمعنى سميع للأقوال، عليم بما في الضمائر). (٣)

ولهذا فإن الاستعاذة من شر هذا العدو مُتأكدة، استعاذة متيقن أنه بصدد خطر يوشك أن يحيط به، ويحاول جهده أن يعتصم بالله الذي يحول بينه وبين هذا


(١) ينظر: التفسير الكبير (١٥/ ٤٣٦)، وإغاثة اللهفان من مصايد الشيطان (١/ ٩٦)، والبحر المحيط (٥/ ٢٥٧)، وغرائب القرآن (٣/ ٣٦٥).
(٢) إغاثة اللهفان (١/ ٩٦)، وينظر: تفسير القرآن لابن القيم (١/ ٦٨٦)، وبدائع الفوائد (٢/ ٢٦٧).
(٣) البحر المحيط (٥/ ٢٥٧).

<<  <   >  >>