للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الدراسة:

استنبط الخطيب من الآية دلالتها باللازم على مناسبة ختم الآية بقوله {بَصِيرٌ} وهي الترغيب في العمل بما حثَّ الله عليه من الإيمان والهجرة، والتحذير من تركها، كما أن فيه الإشارة إلى العلم بما يكون من النصرة في الدين المأمور بها في الآية إلا على أهل العهد والذمة، أو التخاذل عن هذه النصرة، وفي هذا إشارة إلى الإخلاص في ذلك كله لله سواء في النصرة، أو حفظ الميثاق والعهد، فالله تعالى بصير مطلع على أعمالهم وقلوبهم.

والمعنى كما حكاه الطبري: (فلا تغدروا ولا تنقضوا أيمانكم مع الذين عاهدتم، فالله بما تعملون بصير فيما أمركم ونهاكم من ولاية بعضكم بعضا، أيها المهاجرون والأنصار، وترك ولاية من آمن ولم يهاجر، ونصرتكم إياهم عند استنصاركم في الدين، وغير ذلك من فرائض الله التي فرضها عليكم {بَصِيرٌ}، فيراه ويبصره، فلا يخفى عليه من ذلك ولا من غيره شيء). (١)

وفي هذا مزيد تأكيد وحثّ على الإخلاص في الأعمال كلها، وهو ما أشارت إليه الآية كما استنبطه الخطيب، وذلك أن ترك نصرهم يجر إلى مفسدة، كما أن موالاتهم على غيرهم تجر إلى مفاسد؛ فاستنصارهم يوقع بين مفسدتين: ترك نصرة المؤمن، ونقض العهد وهو أعظم (٢).

ولا شك أن معنى هذه الدلالة صحيح؛ فإن الله تعالى أمر بالإخلاص، وحث عليه في مواطن كثيرة من الكتاب وكذلك جاءت به السنة، قال تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [البينة: ٥]. وقال: {إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ


(١) جامع البيان (١٤/ ٨٢)
(٢) نظم الدرر في تناسب الآيات والسور للبقاعي (٨/ ٣٤٣).

<<  <   >  >>