للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الدراسة:

في هذه الآيات أشدّ ترغيب وتشويق للنفوس إلى الخروج إلى الجهاد في سبيل الله، والاحتساب لما يصيبهم فيه من المشقة، وأنها لهم رفعة في الدرجات، إذ دلّت الآية بالنصّ على أن الآثار المترتبة على عمل العبد له فيها أجر كبير، إذا أخلص فيها، ونصح فيها لله، كما نصَّ عليه الخطيب، وهي دلالة حسنة قوية الظهور. (١)

قال ابن تيمية في بيان وجه اختلاف هذه الآية عن التي تليها: (والإنفاق والسير هو نفس أعمالهم القائمة بهم، فقال فيها: {إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ} ولم يقل {إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ} فإنها نفسها عمل، فنفس كتابتها يحصل به المقصود، بخلاف الظمأ والنصب والجوع الحاصل بغير الجهاد، وبخلاف غيظ الكفار بما نيل منهم؛ فإن هذه ليست نفس أفعالهم، وإنما هي حادثة عن أسباب منها: أفعالُهم؛ فلهذا قال تعالى: {إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ}. فتبيّن أن ما يحدث من الآثار عن أفعال العباد لهم بها عمل؛ لأن أفعالهم كانت سبباً فيها). (٢)

وقال في موضع آخر: (فالإنفاق وقطع الوادي نفس عملهم، فكُتِب، وما تقدّم أثر عملهم الصالح، فكُتِب لهم به عمل صالح، كدعاء الولد فإنه أثر عمل الوالد، وإن كان الوالد لم يقصد دعاءه، كما لم يقصد هؤلاء ما حصل من الظمأ والمخمصة والنصب). (٣)


(١) ينظر: تيسير الكريم الرحمن (١/ ٣٥٥)، والقواعد الحسان لتفسير القرآن (١/ ١٣٨)
(٢) مجموع الفتاوى (٨/ ٥٢٢)، وينظر: عدة الصابرين لابن القيم (١/ ٨٦)، ومفتاح دار السعادة (١/ ١٧٥).
(٣) جامع المسائل لابن تيمية (٤/ ٢٦٨) وينظر: الزهد والورع والعبادة (١/ ١٥٣).

<<  <   >  >>