للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الدراسة:

استنبط الخطيب بدلالة النص من هذه الآية أن الفقه في الدين من فروض الكفاية؛ حيث دلّت على أنه لا يسع المؤمنين كلهم الخروج للجهاد؛ إذ لو اشتغل الكل بالتفقه فى الدين لتعطل عليهم المعاش، فجُعل ذلك فرضاً على الكفاية. (١)

ولأن الإسلام في ذلك الوقت كان محتاجاً إلى الغزو والجهاد وقهر الكفار، وكانت التكاليف أيضاً تحدث، والشرائع تنزل، وكان بالمسلمين حاجة إلى من يقيم مع الرسول صلى الله عليه وسلم فيتعلم تلك الشرائع، ويحفظ تلك التكاليف ويبلّغها إلى الغائبين. فكان الواجب انقسام أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قسمين، أحدهما: ينفر إلى الغزو والجهاد، والثاني: يقيم مع الرسول صلى الله عليه وسلم، فالطائفة النافرة إلى الغزو تنوب عن المقيمين في الغزو، والطائفة المقيمة تنوب عن النافرين في التفقه، وبهذا يتم أمر الدين بهاتين الطائفتين. (٢)

وهذه من القواعد الجليلة ومن السياسة الشرعية الحكيمة، فإن كثيراً من المصالح العامة الكلية لا يمكن اشتغال الناس كلهم بها، ولا يمكن تفويتها، فالطريق إلى حصولها ما أرشد الله عباده إليه، أن يقوم بالجهاد طائفة كافية، وبالعلم طائفة أخرى، وأن الطائفة القائمة بالجهاد تستدرك ما فاتها من العلم إذا رجعت. (٣)


(١) ينظر: لطائف الإشارات للقشيري (٢/ ٧٣)
(٢) ينظر: التفسير الكبير للرازي (١٦/ ١٧٠)، والبحر المحيط لأبي حيان (٥/ ٥٢٦)، والتحرير والتنوير لابن عاشور (١١/ ٥٩)
(٣) القواعد الحسان لتفسير القرآن للسعدي (١/ ١٣٩)

<<  <   >  >>