للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إثبات كسب العبد وأنه ليس مسلوب الاختيار.

قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} [يونس: ٤٤]

قال الخطيب الشربيني - رحمه الله -: (لما حكم تعالى على أهل الشقاوة بالشقاوة بقضائه وقدره السابق فيهم، أخبر تعالى أنّ تقدير الشِقوة عليهم ما كان ظلماً منه بقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا} أي: لأنه تعالى في جميع أحواله متفضل وعادل، فيتصرّف في ملكه كيف يشاء، والخلق كلهم عبيده، وكل من تصرّف في ملكه بالفضل والعدل لا يكون ظالماً، وإنما قال تعالى: {وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} لأنّ فعلهم منسوب إليهم بسبب الكسب وإن كان قد سبق قضاء الله تعالى وقدره فيهم، ففي ذلك دليل على أنّ للعبد كسباً، وأنه ليس مسلوب الاختيار كما زعمت المجبرة (١)). (٢)

الدراسة:

استنبط الخطيب دلالة هذه الآية باللازم على كسب العبد، وأنه ليس مسلوب الاختيار؛ حيث قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} فدلَّ على أن فعلهم منسوب إليهم بكسبهم إياه، لأنه تعالى قال: {وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ}، ففيه رد على الجبرية في زعمهم أن التدبير في أفعال الخلق كلها لله تعالى، وهي كلها اضطرارية.


(١) سيأتي الكلام على بيان زعمهم وبطلانه أثناء دراسة هذا الاستنباط.
(٢) السراج المنير (٢/ ٢٦)

<<  <   >  >>