للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وممن أشار إلى هذه الفائدة من الآية: الرازي، والنيسابوري، والسيوطي، وأبو السعود، والقاسمي، والسعدي، وابن عاشور، والشنقيطي، وغيرهم. (١)

قال الشنقيطي: (أمرَهم في هذا الكلام بتعاطي السبب، وتسبّب في ذلك بالأمر به; لأنه يخاف عليهم أن تصيبهم الناس بالعين لأنهم أحد عشر رجلاً أبناء رجل واحد، وهم أهل جمال وكمال وبسطة في الأجسام، فدخولهم من باب واحد مظنة لأن تصيبهم العين، فأمرهم بالتفرق والدخول من أبواب متفرقة، تعاطياً للسبب في السلامة من إصابة العين، كما قال غير واحد من علماء السلف (٢)، ومع هذا التسبب فقد قال الله عنه: {وَقَالَ يَابَنِيَّ لَا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُتَفَرِّقَةٍ وَمَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ} [يوسف: ٦٧]، فانظر كيف جمع بين التسبّب في قوله: {لَا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ} وبين التوكل على الله في قوله: {عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ} وهذا أمر معلوم لا يخفى إلا على من طمس الله بصيرته). (٣)

وهذا معنى الإيمان بالقدر كما أشار إليه قول النبي صلى الله عليه وسلم «اعملوا فكل ميسر لما خُلق له» (٤)، وفي هذا رد صريح على الجبرية المتواكلة؛ فإن العبد ينال ما قُدِّر له


(١) ينظر: التفسير الكبير (١٨/ ٤٨٣)، وغرائب القرآن (٤/ ١٠٦)، والإكليل (١/ ١٥٥)، وإرشاد العقل السليم (٤/ ٢٩٢)، ومحاسن التأويل (٦/ ١٩٨)، وتيسير الكريم الرحمن (١/ ٤٠٢) والتحرير والتنوير (١٣/ ٢١)، وأضواء البيان (٣/ ٣٩٨)
(٢) ينظر: جامع البيان (١٦/ ١٦٥)، وتفسير القرآن العظيم (٤/ ٤٠٠).
(٣) أضواء البيان (٣/ ٣٩٨).
(٤) أخرجه البخاري في كتاب التفسير باب قول الله تعالى: (ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر) [القمر: ١٧] (٩/ ١٥٩) برقم (٧٥٥١) بنحوه، وأخرجه مسلم في كتاب القدر، باب كيفية خلق الآدمي في بطن أمه وكتابة رزقه وأجله، وعمله وشقاوته، وسعادته (٤/ ٢٠٣٦)، برقم (٢٦٤٧)

<<  <   >  >>