للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بالتجرد للعلم، وحاز مقام الإحسان بالعلم، وخرج من السجن في حال العز والكرامة بالعلم، وتمكن عند ملك مصر واستخلصه لنفسه حين كلمه وعرف ما عنده من العلم، ودبّر أحوال الخلق في الممالك المصرية بإصلاح دنياهم وحسن تدبيره في حفظ خزائن الأرض وتصريفها وتوزيعها بالعلم، وعند نهاية أمره توسل إلى ربه أن يتولاه في الدنيا بالعلم، حيث قال: { ... رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ} ... [يوسف: ١٠١]، ففضائل العلم وثمراته الجليلة العاجلة، والآجلة لا تعد ولا تحصى.). (١)

وحكى هذا الاستنباط غيره من المفسرين كالرازي، والخازن، وغيرهما. (٢)

ولاشك في صحة هذه الدلالة وملامستها للواقع؛ فشرف العلم ورفعته لأهله في الدنيا قبل الآخرة ثابت مشاهد، وقد وصلت الحال بيوسف إلى أن يكون معظماً حتى عند أبويه وإخوته، حين دخل أبوه وأمه وإخوته مصر، ورفع أبويه على العرش خرَّ الجميع له سجداً لعظمته، وهذه الغاية تستدعي وسائل ومقدمات لا تحصل إلا بها، وهو العلم الكثير العظيم، والعمل الصالح، والإخلاص، والاجتباء من الله، والقيام بحق الله وحقوق خلقه، وهذا مقتضى حكمة الله أن المراتب العاليات لا تنال إلا بالوسائل الجليلة (٣)، والله تعالى أعلم.


(١) فوائد مستنبطة من قصة يوسف للسعدي ص ١٦.
(٢) ينظر: التفسير الكبير (١٨/ ٤٨٩)، ولباب التأويل (٢/ ٥٤٥)، وفوائد مستنبطة من قصة يوسف ص ١٦.
(٣) ينظر: فوائد مستنبطة من قصة يوسف ص ٢ - ١٦.

<<  <   >  >>