للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والذي يظهر والله تعالى أعلم أن هذه الدلالة صحيحة في نفسها، فرحمة الله تعالى واسعة، قد سبقت غضبه كما جاء في الصحيح (١)، لكنها غير ظاهرة الدلالة من معنى تكرار لفظ الإحسان؛ بل يحتمل هذا التكرار وجوهاً أقوى في الدلالة والمعنى.

منها: أنّ ذكر المحاسن وتكرارها أليق بالحكيم سبحانه من غيرها، ولذا قال تعالى: {إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا} فقدَّم ذكر الإحسان وكرّره دون الإساءة، حكاه البيضاوي، والألوسي. (٢)

وقد تكون إعادة فعل {أَحْسَنْتُمْ} للتنويه والاهتمام بالإحسان، فلم يقل: إن أحسنتم فلأنفسكم. وهذا الأسلوب: إعادة الفعل عند إرادة تعلق شيء به، أسلوب عربي فصيح يقصد به الاهتمام بذلك الفعل، وقد تكرر في القرآن، كما قال تعالى: {وَإِذَا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ} [الشعراء: ١٣٠] وقال: {وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا} [الفرقان: ٧٢] وقال: {هَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَغْوَيْنَا أَغْوَيْنَاهُمْ كَمَا غَوَيْنَا} [القصص: ٦٣]، أفاده ابن عاشور (٣)، وغيره، ويجوز أن يكون تَركُ تكرير الإساءة استهجاناً لها وإزراءً بها، والله تعالى أعلم.


(١) في رواية غلبت غضبي وفي رواية سبقت غضبي، أخرجه البخاري في كتاب التفسير، باب ما جاء في قول الله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ} [الروم: ٢٧] برقم (٣١٩٤) (٤/ ١٠٦)
(٢) ينظر: حاشيه الشهاب على تفسير البيضاوي (٣/ ١٠٩)، وروح المعاني (٢/ ٤٢٦)
(٣) ينظر: التحرير والتنوير (١٥/ ٣٤)

<<  <   >  >>