للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ} أي: خانه أصله؛ فإنه خلق من مارج من نار، وأصل خلق الملائكة من نور،

فعند الحاجة خانه الطبع، وذلك أنه كان قد توسَّم بأفعال الملائكة وتشبَّه بهم، وتعبَّد وتنسَّك، فلهذا دخل في خطابهم، وعصى بالمخالفة. (١)

فدلَّ ذلك على أن الملائكة لا تعصي مطلقاً، والفاء للسببية، فكونه

من الجن سبب فسقه، ولو كان ملكاً (٢) لم يفسق عن أمر ربه لأن

الملك معصوم. (٣)

وممن استنبط هذه الدلالة من الآية: البيضاوي، وحقي، وغيرهما. (٤)

والذي يظهر أن الملائكة معصومون خُلقوا للطاعة - كما تقدم - (٥) بدلالة هذه الآية، ودلالة قوله تعالى: {لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ} [التحريم: ٦]؛ وقوله: {لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ} [الأنبياء: ٢٧]. ولأن الملائكة رسل الله لقوله تعالى: {جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا} [فاطر: ١]، والرسل معصومون، وهي دلالة صحيحة، واستنباطها من الآية يشهد لكون إبليس من الجن كما تقدَّم، والله تعالى أعلم.


(١) ينظر: تفسير القرآن العظيم لابن كثير (٥/ ١٦٧)
(٢) قال الحسن البصري: (ما كان إبليس من الملائكة طرفة عين قط، وإنه لأصل الجن كما أن آدم، عليه السلام، أصل البشر). ينظر: جامع البيان (١/ ٥٠٦)، والنكت والعيون (٣/ ٣١٣)، وتفسير القرآن العظيم (٥/ ١٦٧).
(٣) اختلف في إبليس هل هو من الجن أم من الملائكة على قولين، والذي عليه جماعة من أهل العلم أنه كان من الجن، وليس من الملائكة. وذكر شيخ الإسلام وتبعه ابن القيم أن الصواب هو التفصيل في هذه المسألة، وأن القولين في الحقيقة قول وحد. فإن إبليس كان مع الملائكة بصورته وليس منهم بمادته وأصله. لأنه كان أصله من نار، وأصل الملائكة من نور. فالنافي كونه من الملائكة، والمثبت، لم يتواردا على محل واحد. ينظر: مجموع الفتاوى (٤/ ٣٤٦)، وينظر الاستنباط رقم: (١٤).
(٤) ينظر: أنوار التنزيل (٣/ ٢٨٤)، وروح البيان (٥/ ٢٥٥)
(٥) تقدم الحديث عن عصمة الملائكة في استنباط سابق في سورة النحل وأحلت علية خشية التطويل والتكرار. ينظر الاستنباط رقم: (١٣٦)، وينظر: إغاثة اللهفان لابن القيم (٢/ ١٢٧)، ومجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين (١/ ٢٣٣).

<<  <   >  >>