للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أدب العالم والمتعلم.

قال الله تعالى: {قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا (٦٦) قَالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا (٦٧) وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا (٦٨) قَالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا} (الكهف: ٦٦ - ٦٩)

قال الخطيب الشربيني - رحمه الله -: (دلّت هذه الآية الكريمة على أنّ موسى عليه السلام راعى أنواعاً كثيرة من الأدب واللطف عندما أراد أن يتعلم من الخضر، منها أنه جعل نفسه تبعاً له بقوله: {هَلْ أَتَّبِعُكَ}.

ومنها: أنه استأذن في إثبات هذه التبعية، كأنه قال: هل تأذن لي أن أجعل نفسي تبعاً لك؟ وهذه مبالغة عظيمة في التواضع.

ومنها: قوله - عليه السلام - {عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ} وهذا إقرار منه على نفسه بالجهل وعلى أستاذه بالعلم، ومنها: قوله {مِمَّا عُلِّمْتَ} وصيغة «من» للتبعيض، وطلب منه تعليم بعض ما علِم، وهذا أيضاً إقرار بالتواضع كأنه يقول: لا أطلب منك أن تجعلني مساوياً لك في العلم بل أطلب منك أن تعطيني جزءاً من أجزاء ما علِمت.

ومنها: أن قوله: {مِمَّا عُلِّمْتَ} اعتراف منه بأن الله تعالى علّمه ذلك العلم.

ومنها قوله: {رُشْدًا} طلب منه الإرشاد والهداية.

ومنها قوله: {سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا}، ومنها: أنه ثبت بالأخبار أن الخضر عرف أولاً أن موسى صاحب التوراة وهو الرجل الذي كلَّمه الله من غير واسطة وخصَّه بالمعجزات القاهرة الباهرة، ثم إنه عليه السلام مع هذه المناصب الرفيعة والدرجات العالية الشريفة أتى بهذه الأنواع الكثيرة من التواضع، وذلك يدلّ على كونه عليه السلام آتياً في طلب العلم بأعظم أبواب المبالغة في التواضع، وذلك يدل على أن هذا هو اللائق به، لأن كل من كانت إحاطته بالعلوم التي علم ما فيها من البهجة والسعادة أكثر، كان طلبه لها أشدّ،

<<  <   >  >>