للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد اُختلف في الذبيح هل هو إسحاق أم إسماعيل، والذي يظهر ورجَّحه كثير من المفسرين (١) أنه إسماعيل (٢) بدلالة هذه الآية، كما استدلوا بأدلة أخرى كوصفه تعالى له بالصبر في قوله: {وَإِسْمَاعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِنَ الصَّابِرِينَ}، وهو صبره على الذبح، وبصدق الوعد في قوله: {إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ}، لأنه وعد أباه من نفسه الصبر على الذبح فوفى به.

ومن أقوى ما يستدل به أن الله تعالى بشَّر إبراهيم بإسحاق، ومن وراء إسحاق يعقوب، فلو كان الذبيح إسحاق، لكان ذلك الإخبار غير مطابق للواقع، وهو محال في إخبار الله تعالى. (٣)

قال السيوطي: (واحتجوا له بأدلة منها وصفه بالحلم وذكر البشارة بإسحاق بعده، والبشارة بيعقوب من وراء إسحاق، وغير ذلك وهي أمور ظنية لا قطعية، وتأملت القرآن فوجدت فيه ما يقتضي القطع أو يقرب منه، ولم أر من سبقني إلى استنباطه، وهو أن البشارة مرتين، مرة في قوله: {إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ (٩٩) رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ (١٠٠) فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ (١٠١) فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَابُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ}.


(١) قال ابن القيم - رحمه الله -: (وإسماعيل هو الذبيح على القول الصواب عند علماء الصحابة والتابعين ومن بعدهم. وأما القول بأنه إسحاق فباطل بأكثر من عشرين وجها. وسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية -قدَّس الله روحه - يقول: هذا القول إنما هو متلقى من أهل الكتاب، مع أنه باطل بنص كتابهم. فإن فيه إن الله أمر إبراهيم أن يذبح ابنه (بكره). وفي لفظ (وحيده) ولا يشك أهل الكتاب مع المسلمين أن إسماعيل هو بكر أولاده). زاد المعاد في هدي خير العباد (١/ ٧١) ومجموع الفتاوى (٤/ ٣٣٢)
وينظرترجيح هذا القول في: تفسير السمعاني (٤/ ٤١٠)، وأنوار التنزيل (٥/ ١٦)، والبحر المحيط (٩/ ١١٩)، وتفسير القرآن العظيم (٧/ ٣٥)، وروح المعاني (١٢/ ١٢٧)، والتحرير والتنوير (٢٣/ ١٦١)، وأضواء البيان (٦/ ٣١٧)، وتفسير سورة البقرة للعثيمين (٢/ ٤٥).
(٢) وبه قال الإمام أحمد بن حنبل وجماعة المحدثين، وهو قول علي وابن عمر، وأبو هريرة، وسعيد جبير، ومجاهد، والشعبي، والحسن البصري، ومحمد ابن كعب القرظي، وسعيد بن المسيب، وأبو جعفر الباقر، وأبو صالح، والربيع بن أنس، وغيرهم، ينظر: زاد المسير لابن الجوزي (٣/ ٥٤٩)، وفتح الباري لابن حجر (١٢/ ٣٧٨)، والقول الفصيح في تعيين الذبيح للسيوطي (١/ ٣١٨)، وفيض القدير للمناوي (٣/ ٣٧)
(٣) ينظر: البحر المحيط لأبي حيان (٩/ ١١٩).

<<  <   >  >>