للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وَالْآخِرَةِ} [البقرة: ٢١٧] مقيدتان لكل نص مطلق فيه إحباط العمل بالكفر، فهو مقيد بالموت عليه، فقال هنا: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ مَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ} لم يتوبوا منه، {فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ} أي لا بشفاعة ولا بغيرها، لأنه قد تحتَّم عليهم العقاب، ووجب عليهم الخلود في النار.

ومفهوم الآية الكريمة أنهم إن تابوا من ذلك قبل موتهم، فإن الله يغفر لهم ويرحمهم، ويدخلهم الجنة، ولو كانوا قد أفنوا أعمارهم في الكفر بالله والصد عن سبيله، والإقدام على معاصيه، فالاعتبار بالوفاة على الكفر، وهو الذي يوجب الخلود في النار. (١)

وممن أشار إلى هذه الدلالة من الآية: البيضاوي، والألوسي، والسعدي، والشنقيطي (٢)، وغيرهم. (٣)

قال النووي في ثنايا حديثه عن بعض مسائل الصلاة: ( .. والمسألة مبنية على أصل سبق، وهو أنه عندنا لا تبطل الأعمال بالردة إلا أن تتصل بالموت وعندهم يبطل بنفس الارتداد، احتجوا بقول الله تعالى: {وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ


(١) ينظر: تيسير الكريم الرحمن للسعدي (١/ ٧٩٠).
(٢) قال - رحمه الله - عند هذه الآية: (ظاهر هذه الآية الكريمة أن المرتد يحبط جميع عمله بردته من غير شرط زائد، ولكنه أشار في موضع آخر إلى أن ذلك فيما إذا مات على الكفر، وهو قوله: {وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ} [البقرة: ٢١٧].
ومقتضى الأصول حمل هذا المطلق على هذا المقيد، فيقيد إحباط العمل بالموت على الكفر، وهو قول الشافعي ومن وافقه، خلافا لمالك القائل بإحباط الردة العمل مطلقا، والعلم عند الله تعالى). أضواء البيان (١/ ٣٢٩)
(٣) ينظر: أنوار التنزيل (٥/ ١٢٥)، وروح المعاني (١٣/ ٢٣٤)، وتيسير الكريم الرحمن (١/ ٧٩٠)، وأضواء البيان (١/ ٣٢٩).

<<  <   >  >>