للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مستحقات الإنفاق دون بعض المطلقات أخذاً بمفهوم الشرط؛ لأن الآية سيقت لبيان الواجب، فأوجب تعالى السكنى لكل مُعتدة تقدَّم ذِكرها ولم يوجب سواها، ثم استثنى الحوامل فخصَّهن بوجوب النفقة لهن حتى يضعن حملهن، فلمَّا ذكر السُكنى أطلقها لكل مُطلَّقة، ولما ذكر النفقة قيَّدها بالحمل، فقال تعالى: {وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ} فدلَّ على أن المطلقة البائن لا نفقة لها. (١)

قال الطبري: (الصواب من القول في ذلك عندنا أن لا نفقة للمبتوتة، إلا أن تكون حاملاً، لأن الله جل ثناؤه جعل النفقة بقوله: {وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ} للحوامل دون غيرهن من البائنات من أزواجهن، ولو كان البوائن من الحوامل وغير الحوامل في الواجب لهن من النفقة على أزواجهن سواء، لم يكن لخصوص أولات الأحمال بالذكر في هذا الموضع وجه مفهوم، إذ هن وغيرهن في ذلك سواء). (٢)

وهذا استدلال قوي يؤيده ما حكاه ابن العربي في تأصيل هذه المسألة حيث قال: (بسط ذلك وتحقيقه: أن الله سبحانه وتعالى لما ذكر السُكنى أطلقها لكل مُطلَّقة، فلما ذكر النفقة قيَّدها بالحمل، فدلَّ على أن المطلقة البائن لا نفقة لها؛ وهي مسألة عظيمة قد مهدَّنا سُبلها قرآناً وسنة ومعنى في مسائل الخلاف، وهذا مأخذها من القرآن، فإن قيل: لا حجة في هذه الآية؛ لأن قوله تعالى: {أَسْكِنُوهُنَّ} [الطلاق: ٦] راجع إلى ما قبله، وهي المطلقة الرجعية.

قلنا: لو كان هذا صحيحاً لما قال: {وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ} [الطلاق: ٦]؛ فإن المطلقة الرجعية ينفق عليها حاملاً كانت أو غير حامل، فلما خصَّها بذكر


(١) ينظر: أحكام القرآن لابن العربي (٤/ ٢٨٧)، والتحرير والتنوير لابن عاشور (٢٨/ ٣٢٨))، وحاشية (الانتصاف فيما تضمنه الكشاف) لابن المنير الإسكندري (٤/ ٥٥٩).
(٢) جامع البيان (٢٣/ ٤٦٠).

<<  <   >  >>