للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أن ثم شافعين) (١).

وقال بهذا الاستنباط من المفسرين غير الزجاج، وابن عطية: ابن الجوزي، والرازي، والقرطبي، والنسفي، وأبو حيان، والنيسابوري، وحقي، والقاسمي، وابن عاشور، وغيرهم. (٢)

فثبت أن للمذنبين شفاعة كما دلّ له مفهوم هذه الآية، وأن نفع الشفاعة لمن آمن، وهو دليل قوي على صحة عقيدة أهل السنة، وفساد مذهب المعتزلة الذين تمسكوا بهذه الآية وغيرها في نفي الشفاعة للعصاة (٣)، وقولهم لاشك مردود؛ لأن المنفي هنا شفاعة الكفار دون المؤمنين، بدليل الأخبار الواردة في ذلك (٤)، وأيضاً فإن الله تعالى أثبت الشفاعة لأقوام، ونفاها عن أقوام، فقال في صفة الكافرين {فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ} [المدثر: ٤٨] وقال {وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى} [الأنبياء: ٢٨] وقال {وَلَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ} [سبأ: ٢٣]. فظهر بهذا أن الشفاعة إنما تنفع المؤمنين دون الكافرين (٥)، والله تعالى أعلم.


(١) المحرر الوجيز (٥/ ٣٩٩)
(٢) ينظر: زاد المسير (٤/ ٣٦٦)، والتفسير الكبير (٣٠/ ٧١٦)، والجامع لأحكام القرآن (١٩/ ٨٨)، ومدارك التنزيل (٣/ ٥٦٨)، والبحر المحيط (١٠/ ٣٣٩)، وغرائب القرآن (٦/ ٣٩٦)، وروح البيان (١٠/ ٢٤١)، ومحاسن التأويل (٩/ ٣٦٠)، والتحرير والتنوير (٢٩/ ٣٢٨)
(٣) وهو مبني على أحد أصولهم أن أهل الكبائر لا يخرجون من النار بعد دخولها.
(٤) كما أخبر صلى الله عليه وسلم أنه أوتي الشفاعة، وأخبر أنه يأتي فيسجد تحت العرش ويحمد ربه بمحامد يعلمه إياها، لا يبدأ بالشفاعة حتى يقال له: «ارفع رأسك، وقل يسمع، وسل تعط واشفع تشفع»، وأخبر أنه لا يشفع في جميع العصاة من أهل التوحيد دفعة واحدة، بل قال: «فيحد لي حداً فأدخلهم الجنة»، ثم يرجع فيسجد كذلك فيحد له حداً .. إلى آخر حديث الشفاعة الذي أخرجه البخاري في كتاب التفسير، باب قوله تعالى {إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ} [نوح: ١]، برقم (٣٣٤٠)، (٤/ ١٣٤)، ومسلم في كتاب الإيمان، باب أدنى أهل الجنة منزلة فيها برقم (٣٢٢)، (١/ ١٨٠)
(٥) ينظر: مجموع الفتاوى (١/ ١٤٩) وينظر: شرح الطحاوية لأبي العز (١/ ٢٠٦)، والفصل في الملل لابن حزم (٤/ ٥٣)، والمعتزلة وأصولهم الخمسة وموقف أهل السنة منها لعواد المعتق ص ٢٣٦.

<<  <   >  >>