للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أبيه، عن علي مرفوعًا: "من قرأ سورة الكهف يوم الجمعة، فهو معصوم إلى ثمانية أيام من كل فتنة، وإن خرج الدجال عصم منه" (١).

﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا (١) قَيِّمًا لِيُنْذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِنْ لَدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا (٢) مَاكِثِينَ فِيهِ أَبَدًا (٣) وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا (٤) مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلَا لِآبَائِهِمْ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا (٥)﴾.

قد تقدم في أول التفسير أنه تعالى يحمد نفسه المقدسة عند فواتح الأمور وخواتمها، فإنه المحمود على كل حال، وله الحمد في الأولى والآخرة، ولهذا حمد نفسه على إنزاله كتابه العزيز على رسوله الكريم محمد صلوات الله وسلامه عليه، فإنه أعظم نعمة أنعمها الله على أهل الأرض إذ أخرجهم به من الظلمات إلى النور حيث جعله كتابًا مستقيمًا لا اعوجاج فيه ولا زيغ، بل يهدي إلى صراط مستقيم واضحًا بينًا جليًا نذيرًا للكافرين، بشيرًا للمؤمنين، ولهذا قال: ﴿وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا﴾ أي: لم يجعل فيه اعوجاجًا ولا ميلًا، بل جعله معتدلًا مستقيمًا ولهذا قال: ﴿قَيِّمًا﴾ أي: مستقيمًا ﴿لِيُنْذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِنْ لَدُنْهُ﴾ أي: لمن خالفه وكذبه ولم يؤمن به ينذره ﴿بَأْسًا شَدِيدًا﴾ عقوبة عاجلة في الدنيا وآجلة في الأخرى ﴿مِنْ لَدُنْهُ﴾ أي: من عند الله الذي لا يعذب عذابه أحد، ولا يوثق وثاقه أحد ﴿وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ أي: بهذا القرآن الذين صدقوا إيمانهم بالعمل الصالح ﴿أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا﴾ أي: مثوبة عند الله جميلة ﴿مَاكِثِينَ فِيهِ﴾ في ثوابهم عند الله، وهو الجنة خالدين فيه ﴿أَبَدًا﴾ دائمًا لا زوال له ولا انقضاء.

وقوله: ﴿وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا (٤)﴾ قال ابن إسحاق: وهم مشركو العرب في قولهم نحن نعبد الملائكة وهم بنات الله (٢).

﴿مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ﴾ أي: بهذا لقول الذي افتروه وائتفكوه من علم ﴿وَلَا لِآبَائِهِمْ﴾ أي: لأسلافهم.

﴿كَبُرَتْ كَلِمَةً﴾ نصب على التمييز تقديره: كبرت كلمتهم هذه كلمةً. وقيل: على التعجب تقديره: أعظم بكلمتهم كلمة، كما تقول: أكرم بزيد رجلًا، قاله بعض البصريين، وقرأ ذلك بعض قراء مكة: (كبرت كلمةٌ) (٣) كما يقال: عظم قولك وكبر شأنك، والمعنى على قراءة الجمهور أظهر، فإن هذا تبشيع لمقالتهم واستعظام لإفكهم، ولهذا قال: ﴿كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ﴾ أي: ليس لها مستند سوى قولهم، ولا دليل لهم عليها إلا كذبهم وافتراؤهم، ولهذا قال: ﴿إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا﴾ وقد ذكر محمد بن إسحاق سبب نزول هذه السورة الكريمة، فقال: حدثني شيخ من أهل مصر قدم علينا منذ بضع وأربعين سنة، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: بعثت


(١) أخرجه الضياء المقدسي بسنده ومتنه (المختارة ٢/ ٤٢٩)، وفي سنده عبد الله بن مصعب فهو الجهني تُكلم فيه (لسان الميزان ٣/ ٣٦٢).
(٢) ذكره ابن هشام (السيرة النبوية ١/ ٣٠٢).
(٣) وهي قراءة شاذة.