فأقول: هذا التخريجُ أقولُ فيه نحو ما تقدَّم في حديث البراء (٣٣) -أو أكثر-؛ فإن في إسناده في الموضع المشار إليه من البخاري (جرير بن حازم)؛ وهو من المضعَّفين عند (الهدَّام)! ولذلك لم تُساعده نفسُه على الجزم بتحسين حديث له، فقال فيه:"أرجو أن يكون حسنًا"! (انظر الحديث الآتي)، فهذا التخريجُ -ونحوه مما سبق، ويأتي- مما يوكِّد ما قلتُه في المقدِّمة؛ أن عزوه الحديث للبخاري أو مسلم لا يعني عنده أنَّه صحيحٌ، فإنه يعزو إليه ويكتم ما في نفسه من الضعف فيه؛ سترًا على نفسه، أو تضليلًا لقرَّائه!
على أنَّ هذا الحديث لم يتفرّد به (جرير بن حازم) الذي قال: حدّثنا أبو رجاء، عن سَمُرة؛ مع كونه ثقة حجّة -كما سيأتي هناك-، فقد تابعه عوف: حدّثنا أبو رجاء: حدّثنا سَمُرة. . . أخرجه البخاري أيضًا (٧٠٤٧)؛ فلِمَ لَمْ يَعْزُهُ إليه تقويةً لرواية جرير؟ ! هل كان ذلك منه مكرًا، أم ذلك هو مبلغُ التحقيقِ عنده؟ أحلاهما مُرّ!
٣٦ - "وقد سُئل عبد اللَّه بن مسعود -عن مسألة المفوّضة- شهرًا؟ فقال بعد الشهر أقول فيها برأيي، فإن يكن صوابًا فمن اللَّه. . . ":
قلت: أعلّه (الهدَّام) بقوله (١/ ١٧٥): "ورجاله ثقات، غير أنَّ فيه عنعنة قتادة".
قلت: هذا الإعلال عليلٌ كصاحبه! فإنَّ عنعنة قتادة مغتفرةٌ لِقلَّتها بالنسبة لحفظه وكثرة حديثه، وقد أشار إلى ذلك الحافظ في ترجمته من "مقدمة الفتح" بقوله: "ربّما دَلَّس"؛ وكأنَّه لذلك لم يذكره هو في "التقريب" بتدليس، وكذلك الذهبي في "الكاشف".